ثورة أون لاين – هفاف ميهوب:
كلُّ من يستحضر تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية، يرى بأن حاضرها هو نسخة طبق الإجرام عن ماضيها الغارق في العنصرية. أميركا التي بلغت بشاعة حقيقتها حداً جعل القضايا التي عرّتها لا تكتفي بالكشف عن وجهها الإجرامي، بل وتجسده في لوحاتٍ وأفلام ومسلسلات، ماأكثر ما هزت الرأي العالمي.
نعم، هي حقيقة أميركا على مدى التاريخ الذي دنست وقائعه بدونيةِ الاقترافات. اقترافات قوادها والمتحكمين في عبادها، ممن كانت قضية “سنترال بارك” من أشهر القضايا التي فضحتهم، وهي القضية التي حدثت في أواخر الثمانينيات. فضحتهم عندما صفعتهم في مسلسلٍ درامي، هو من أكثر وأحدث الأعمال التي أظهرت مقدار عشقهم للظلم والاضطهاد والاستعباد والتمييز العرقي.
إنه “مرايا خادعة” المستوحى من قصة حقيقية حدثت عام 1989 وتحكي وقائع قضية “سنتراك بارك” والمراهقين السود الخمسة الذين اتهموا زوراً بجريمة الاعتداء على امرأة بيضاء. اتهموا رغم عدم وجود أي علاقة تربط بينهم، ولمجرد تواجدهم في المكان الذي وقع فيه الاعتداء الذي أدانهم.
تمّ اعتقالهم واستجوابهم وتهديدهم، فاضطروا للاعتراف بما لم يرتكبونه، بعد أن رأوا من الإهانة والتعذيب والترهيب والبطش والتعسف الأميركي، ما يدين حتى الشرطة والقانون المحكوم بضميره الدموي.
قضوا عشرات السنين في السجن، وعندما خرجوا كانوا كباراً، لكن المجتمع نبذهم إلى أن أعلنت براءتهم عام 2002 وبعد العثور على المجرم الحقيقي الذي لم ينفع اعترافه في ردِّ مالحق بهم من اضطهاد، حتى من قِبلِ أهاليهم الذي فضلوا الضغط على أبنائهم وإجبارهم على الاعتراف خوفاً عليهم، وجهلاً سببه الفقر الذي يعاني منه أغلبية السود في بلدٍ لايعترف بهم.
حتماً، لم يكن عبثاً أن يُعرض هذا المسلسل في الوقت الذي تصاعدت فيه بلطجية وإجرام الولايات المتحدة العنصرية في عام 2019 الذي قدمت فيه الأميركية “إيفا ديفورني” كاتبة ومخرجة المسلسل، أدلتها الموثّقة من وقائع الحياة التي تعيشها وتشهد فيها مقدار المعاناة التي يعيشها أبناء جلدتها من سود الأصول الافريقية.
لم يكن عبثاً أن تكسر هذه الكاتبة الـ “مرايا الخادعة” وتستبدلها بمراياها الواقعية الصادقة. المرايا التي أرادت أن يرى كلّ العالم ما تعكسه من العفن العنصري، العفن الذي استشرى إلى أن بات يفيض حتى في تصريحات وقرارات الرئيس الأميركي.
“ترامب” الذي سعى لنشرِ إعلانات مدفوعة الثمن في أربع صحف كبرى، يدين فيها هؤلاء السود، ويطالب بإعادة حكم الإعدام في العديد من الولايات الأميركية، والذي أظهرته المرايا الناصعة عنصريا، استبداديا، جشعا، يسعى لمحاكمة الأبرياء لمجرد أن لون بشرتهم، يعكس حقيقته العنصرية.