لو لم يكن قدر سورية أن تكون قلعة الصمود في وجه المشاريع الصهيوأميركية لاختارت هي ذلك، لتعطي درساً لشعوب العالم بأن بإمكانها الوقوف ضد الغطرسة الأميركية، ولتبرهن أن بإمكان أي شعب أو دولة حرة أن تبقى على قيد الحياة الكريمة في حال صمودها وقبولها التحدي.
وما قانون قيصر المجَّرم في كل الشرائع والقوانين إلا إحدى أدوات العدوان الصهيوأميركية في استخدامها برعاية الكبار (الروتشيلديون والروكفولوريون) الذين يمسكون بمقادير العالم وحياته ومستقبله.
وهذا القانون يستهدف الشعب السوري بكل أطيافه، كما يستهدف شعوب دول الجوار والدول التي تحالفت مع سورية لإجهاض اكبر مؤامرة كونية مازالت تشن على دولة منذ نحو عشر سنوات وانتصرت فيها على كل الادوات، وها هي تخطو خطواتها الاخيرة لتسطير ملحمة الصمود بالانتصار النهائي.
ولم يعد بمقدور أميركا وربيبتها وأعاريبها بالادعاءات الكاذبة، فلقد جاء “قيصر” ليكشف كل الأكاذيب والادعاءات، فقانون من هذا النوع لا يستثني من يشاء ويطبق على من يشاء، فهو يطال الجميع دون استثناء سواء الذين يساندون قيادتهم، أو الذين فروا الى دول الشتات في الجوار وغيرها أو الى احضان دول العدوان ليطلقوا معارضات تهريجية لقاء حفنة من الدولارات باعوا بها كرامتهم ووطنهم ولم يعد بإمكانهم العودة الى بلادهم ،وهذا هو واحد من أهداف القانون ” الغبي ” أي توطين السوري في الدولة الموجود فيها ومساعدته إلى حين.
لقد جعل “قيصر” الدول المتحالفة مع أميركا وإسرائيل تستفيق من غفوتها وتطلق مواقف مناهضة للهمجية الأميركية سوف تترجم في قادم الأيام إلى إجراءات لا بد منها في ترتيب العالم الجديد.
ثم إن توقيت تنفيذ هذا الحصار جاء في ظروف ضم ثلثي أراضي الضفة الغربية إلى الكيان الغاصب، الأمر الذي يعني أن ” صفقة القرن ” التوطينية ماضية دون الالتفات لتداعياتها.
ومثل هذه العملية لا يمكن أن تتم دون شن عدوان بشكل أو بآخر على محور المقاومة في المنطقة وخصوصاً في لبنان، الذي يعيش شعبه اصعب الظروف في حياته المعيشية والاقتصادية وهي ظروف مصطنعة من فئة تابعة للمشروع الصهيوأميركي لنزع سلاح المقاومة الرادع للاطماع الإسرائيلية، وهذا ما نراه في الشارع اللبناني.
ولم تكتف أميركا في ارتكاب هذه الجريمة فحسب بل أنها تضيق الخناق على لبنان في مسألة عملته الوطنية ومعيشته من اجل الإضرار به والتضييق على سورية، وهي تدير عبر منظومة “جبهة أميركا في لبنان ” حربا نقدية تشكل فرعاً من فروع الحرب الاقتصادية التي يتعرض لها لبنان بحجة محاصرة المقاومة، تنفذ هذه الحرب مع معرفة أميركا بتأثيرها على المواطن اللبناني – كل مواطن – ثم تصر عليها راسمة معادلة أولية: التجويع للتركيع، أما المعادلة الأساسية التي تريدها أميركا من حربها التي تستعمل خدمة للمشروع الصهيو اميركي هو التجويع للاستسلام الذي يدفع إلى نزع سلاح المقاومة و تفكيكها ليتنازل لبنان لإسرائيل في البر والبحر، وفي الأرض والماء والنفط، وعدم المقدرة على ردع أي عدوان متوقع.
هذا المشهد الذي يرسمه قانون قيصر وما يحدث في المنطقة لن يتشكل كما تريده أميركا، وستعود خائبة كما خابت في أي مشروع عدواني، بل سيقصر عمرها بعد أن استفاق العالم أجمع من غفوته.
وإن غداً لناظره قريب
د. عبد الحميد عباس دشتي