بعض من كانوا يتاجرون بالفكر والأدب، ثبت أنهم فعلاً خارج التاريخ والحياة والفعل، وأن كل ما كان يقال عنهم كان صحيحاً، أولئك الذين كانوا يرون الوطن فندقاً ومنفعة ومغنماً، وحين احتاجهم فروا هاربين.
لم ننتظر منهم أن يرتفع العقل عندهم إلى عرشه عندما تستقيم الحياة، لأنهم استهانوا بالفكر الإنساني إلى حدّ تشبثهم بمنصاتهم المزخرفة بعيداً عن حقوق الأوطان والمجتمعات والكرامة الإنسانية…
لماذا هذا الّلف والدوران في إبداء آرائهم في قضايا مجتمعية إنسانية فكرية بعدها الأخلاقي واضح لا يقبل أي تجاهل أو إنكار…؟ والعجب أنهم يصنفون أنفسهم بين المبدعين والكتّاب، واليوم واقع الأمر يُعلنهم خارج تقويم التاريخ والإنسان…
يستديرون عن صرخات الحرب المجنونة، ويتنكرون لأنين الطفولة، ولوعة الأمهات الثكالى، والجرح النازف للبؤس والدمار والنهب العلني لعمر الشباب، والماء والآثار، والقمح ورغيف الخبز، والشجر والمعامل والمصانع، وهدم مدارس مستقبل الطفولة….
والعجب كلّ العجب أنهم يعتدّون بكونهم متفرجين ريثما ينفض الوطن الغبار عن كاهله..
هذا الهروب لم يكن يوماً ما في مشهدية الأدب والثقافة، صحيح أن ثمة من مارسه، لكن البعض اليوم يجاهر به، ويتاجر، ولا يريدون التعبير عن المعاناة الإنسانية، رغم أنهم خبروها وعرفوها عن قرب، والأسى الذي يعيشه الوطن يغفل عنه هؤلاء المتملقون، ويعجزون عن التفاعل مع فكر وثقافة هذه المرحلة، لأنهم لا يرون منها إلا ما يثير الشفقة على أنفسهم وعلى فكرهم وإدراكهم… وما الفراغ الذي تركوه سوى فراغ قلوبهم وعقولهم..
رؤية – هناء دويري