الثورة أون لاين -عبد الحليم سعود:
بعد معضلة انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي والدخول في مفاوضات “بريكست” لحل الأمور العالقة بين الطرفين، أضافت جائحة كورونا التي اجتاحت أوروبا هذا العام عبئاً جديداً على كاهل الاتحاد ما عمق الشرخ بين أعضائه ال27، وقد ظهر ذلك جلياً في القمة الأوروبية الأخيرة حيث ظهرت خلافات حادة بينهم بشأن خطتهم لإنعاش الاقتصاد الذي تضرر كثيراً في الآونة الأخيرة نتيجة توقف الأنشطة الاقتصادية على خلفية الإجراءات الاحترازية الوقائية التي اتخذت لمنع تفشي الفايروس على نطاق أوسع في أوروبا.
وفي التفاصيل عجزت القمة الأوروبية التي انعقدت الجمعة الماضية في بروكسل وشهدت مفاوضات شاقة بين وفود الدول الأعضاء، في الاتفاق على صندوق تحفيز ضخم لإنعاش اقتصاديات الدول الأكثر تضرراً، فاضطروا لتمديدها يومين إضافيين، حيث ظهرت العصبية على سلوك الرئيس الفرنسي مانويل ماكرون الذي حاول إقناع نظرائه دون جدوى في الموافقة على الاقتراحات التي تقدم بها بالتفاهم مع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل والقاضية بتخصيص 750 مليار يورو من ضمن خطة انعاش تصل قيمتها إلى 1.8 مليار يورو، وقد هاجم ماكرون البلدان التي يُطلَق عليها اسم “الدول المقتصدة” وهي هولندا والسويد والدنمارك والنمسا إضافة إلى فنلندا، وتتبنّى مقاربة متحفّظة للغاية إزاء خطة الإنعاش الاقتصادي وتسعى إلى تخفيضها ما أمكن.
كما انتقد ماكرون سلوك المستشار النمساوي، سيباستيان كورتز، الذي نهض وغادر الطاولة لإجراء مكالمة هاتفية، وبحسب مصدر أوروبي فإنّ المستشار النمساوي شعر “بالإهانة” من ملاحظة ماكرون.
وقال مستشار في الوفد الفرنسي إنّ ماكرون “كان قاسياً إزاء تناقضاتهم”، في موقف سردت تفاصيله وفود أخرى لعدد من وسائل الإعلام، حيث اضطر ماكرون لضرب الطاولة بيده وانتقاد معارضة هذه الدول لمطلبه بشأن تخصيص جزء كبير من أموال خطة الإنعاش، التي ستموّل بقرض مشترك من الاتحاد الأوروبي، لتقديم إعانات للدول الأعضاء.
في حين تناولت بعض الوفود المشاركة سلوك الرئيس الفرنسي في القمة بصورة كاريكاتورية وهو ما أثار حفيظة الوفد الفرنسي الذي أعرب أحد مستشاريه عن الأسف لما تم سرده بخصوص ما جرى على لسان تلك الوفود.
ويدور الخلاف بين الدول المقتصدة التي تتزعمها هولندا وبين كل من ألمانيا وفرنسا حول حجم حزمة الإنقاذ حيث تتمسّك الأخيرتان بموقفهما في عدم خفض حصّة المنح إلى ما دون 400 مليار يورو، في موقف ترفضه الدول المقتصدة.
وقال رئيس الوزراء الإيطالي، جوزيبي كونتي، إن “المفاوضات كانت ساخنة”، وإيطاليا إحدى أكثر دول الاتحاد الأوروبي تضررا من أزمة فيروس كورونا المستجد وتسعى للحصول على مساعدات سخية من الاتحاد الأوروبي.
وأضاف أن أوروبا تتعرض لابتزاز ممن وصفهم بالمقتصدين، وقال: “علينا بذل كل ما في وسعنا للتوصل لاتفاق وأي تأخير ليس في صالح أحد”.
في حين قال مصدر أوروبي إنّ ماكرون أكّد خلال القمّة أنّ فرنسا وألمانيا هما اللّتان “ستموّلان هذه الخطة” و”أنّهما تقاتلان من أجل مصلحة أوروبا في حين أنّ الدول المقتصدة غارقة في الأنانية ولا تقدّم أيّ تنازلات”، وأضاف ماكرون “أنه يفضل مغادرة القمة على أن يعقد اتفاقاً سيّئاً” على حد تعبيره.
ويتركّز الخلاف بشأن خطة الإنعاش البالغة قيمتها 750 مليار يورو يموّلها قرض مشترك، وهي فكرة مستوحاة من اقتراح تقدّم به ماكرون والمستشارة الألمانيّة.
وتتألّف هذه الخطة في صيغتها الأولى من قروض بقيمة 250 مليار يورو وإعانات بقيمة 500 مليار، وتستند الخطة إلى موازنة طويلة الأمد (2021-2027) للاتحاد الأوروبي بقيمة 1074 مليار يورو.
ومن الخيارات المطروحة، زيادة حصّة القروض إلى 300 مليار (مقابل 250 في الاقتراح الأولي) لكن من دون خفض حصّة المنح التي ترمي لدعم خطط الإنعاش في دول معيّنة.