بين الشعبي والجماهيري

ثورة أون لاين -بقلم رئيس التحرير عـــلي قــاســـــــم:

اتسمت علاقة الحزب بالسلطة بالمسكوت عنه، وغاب الحديث عنها بشكل قسري ولفترات طويلة، وانسحب الأمر على البعد الجماهيري الذي غاب بدوره عن التداول، ليحلّ مكانه البعد الشعبي،

ومع غيابه كثرت التأويلات والاستنتاجات، ووصلت في بعض تجلياتها إلى الجزم بأن هذه العلاقة تدخل في باب "المحرمات،" وأحياناً تمّ تصنيفها في باب المؤجلات حتى إشعار آخر، وهناك من ابتعد في رمي سهامه نحو تسويق مقولة العقم في إعادة طرحها.‏

وأيضا لا ننكر أن الحاجة لفتح باب النقاش حولها باتت أكثر إلحاحاً من أي وقت سابق، في ظل تهافت واضح على طرح مصطلحات تحاكي في واقع الحال الاتجاهات العائمة، التي تبحث عن صيد في ماء تزداد عكارته مع ارتفاع منسوب الضبابية في الصورة العامة.‏‏

لذلك جاء تسليط الضوء على هذه العلاقة ليفتح الباب على ملفات غالباً كانت طي الأدراج لوقت طويل، رغم الصخب والضجيج المتعالي من اتجاهات عديدة، ورغم وضوح غايتها في التشويه المتعمد لكثير من الثوابت والمبادئ.‏‏

لسنا بوارد العودة إلى جذر الأفكار بقدر ما هي محاولة – وتحت ضغط الحاجة الملحة – لتصويب العديد من الاتجاهات الخاطئة في تناولها، رغم اختلاف الدوافع، وربما العوامل التي تحرك تلك الدوافع، بحيث يلتقي خلفها وجنبها وربما أمامها الكثير من الظواهر المشتركة التي تخلق انطباعاً كاذباً بأن ما يجري هو نتيجة تقاطع التراكمات المحمولة على التجارب غير الناضجة أو غير الناجحة!!‏‏

في الواقع كان التوضيح ينطلق من محاولة تصحيح العلاقة مع القواعد التي أفرزت بدورها فهماً خاطئاً لقنوات التواصل معها، فخرجت الكثير من التفسيرات المغلوطة التي بنت معطياتها على الخطأ في الاستنتاج، ووصلت في بعض الأحيان إلى تعميم الحالة كجزء من تركيبة خطأ العلاقة كمقدمة للترويج للصورة المشوهة.‏‏

لا يستطيع أحد أن يدافع، بل ليس من الوارد أن تكون الغاية هي الدفاع عنها، لأنها تعرضت بالتأكيد لخطأ في فهمها وتأويلها، وعمدت أغلبية الأحزاب ذات القاعدة الجماهيرية إلى التسلح بالسلطة من أجل التغطية على جوانب الترهل التي نمت تحت أعين قيادتها، بعد أن انصرفت الأخيرة إلى مغريات السلطة، وتناست جوهر العلاقة القائمة، فيما كانت تتجاهل عن عمد القنوات الطبيعية للتواصل، إلى أن باتت هذه القنوات مجرد شاهد زور على تعديات العلاقة، واضمحلال الخطوط الفاصلة التي كانت تنزع نحو تغييب الفارق بين اداء الحزب والسلطة، ليبدو في نهاية المطاف أن أخطاء السلطة هي نتيجة طبيعية لسلوك الحزب.‏‏

الطرح بهذا المفهوم يحمل عنوانين جوهريين.. الأول يتعلق بالحراك السياسي القائم الذي يضغط على الأحزاب التقدمية والقومية باتجاه الاستيقاظ من حالة الانكفاء والخروج من سباتها الطويل لتنفض الغبار عمّا علق بالعلاقة بينها وبين قواعدها من جهة، وبينها وبين الأحزاب التي تتلاقى معها في كثير من القواسم من جهة ثانية.‏‏

والثاني يرتبط بما يتعرض له المشروع القومي من عوامل استهداف تجاوزت الأدوات التقليدية ووصلت إلى تقديم مقاربات تنحو باتجاه نعي هذا المشروع أمام زحف متواتر للمشاريع الأخرى بتعدد أشكالها ونماذجها، واقترن في بعض الأحيان بتسخين في أدوات الهجوم، حيث جاءت كبدائل تمّ الترويج لها بقاعدة شعبية استبدلت فطرة التنظيم بغريزة الحشد.‏‏

والعودة إلى الحديث بهذا المنظور لم تفرضها الحاجة الملحة فقط، ولا الغياب القسري والمتعمد فحسب، بل يأتي تتويجاً عملياً لتحولات صاخبة تحت السطح أفرزت بشكل تلقائي تسليط الأضواء في اتجاهات تمت التعمية عليها بتعمد، ووضعت الكثير من مسلمات المرحلة الماضية تحت المجهر في قراءة دقيقة اقتضت أن تسدّ الفراغ الحاصل عمداً في الجانب الفكري الذي استُبعِد خلال العقود الماضية تحت قصف متواتر من مقولات التيئيس الواضح والمدروس، بعد فشل تجارب تاريخية كانت في مقدمتها التجربة الشيوعية وما نتج عنها.‏‏

وهذا انسحب أيضاً على الأحزاب القومية والوطنية بطريقة أكثر قسوة في استبعادها، والترويج لحالة إفلاس حزبي وسياسي مزدوج، امتدت إلى صلب العلاقة بين الحزب مهما يكن وجوده وبين السلطة، وصولاً إلى تفخيخ العلاقة مع القواعد الجماهيرية التي ما فتئت تبحث عن نفسها دون جدوى، وكادت تغيب عن الساحة كلياً أدوار الأحزاب لمصلحة النموذج الغربي في الاحتكارات واللوبيات المتعددة، التي قدمت نفسها على أنها النسخة المستحدثة من الأحزاب، لتغيّب على نحو مماثل قواعدها الجماهيرية.‏‏

هنا صلب المسألة.. وهنا الرهان القائم على فرضية العلاقة ببنيتها الجماهيرية، وليس ببنية السلطة, حيث الجماهيرية كانت وستبقى أكثر وثوقية من مرادفتها الشعبية, التي حاولت الحلول مكانها، والفارق يكبر كلما أتقنا إنتاج علاقة قائمة على بعدها الجماهيري، وليس على مغانم اكتنازها السلطة وتشوهاتها، ولا على عداد القوائم التي تصلح ذاتها لتكون في مكان آخر بعيد كل البعد عن مدلوله.‏‏

a.ka667@yahoo.com‏‏

آخر الأخبار
بمشاركة سورية.. انطلاق فعاليات المؤتمر الوزاري الرابع حول المرأة والأمن والسلم في جامعة الدول العربي... موضوع “تدقيق العقود والتصديق عليها” بين أخذ ورد في مجلس الوزراء.. الدكتور الجلالي: معالجة جذر إشكالي... بري: أحبطنا مفاعيل العدوان الإسرائيلي ونطوي لحظة تاريخية هي الأخطر على لبنان عناوين الصحف العالمية 27/11/2024 قانون يُجيز تعيين الخريجين الجامعيين الأوائل في وزارة التربية (مدرسين أو معلمي صف) دون مسابقة تفقد معبر العريضة بعد تعرضه لعدوان إسرائيلي الرئيس الأسد يصدر قانوناً بإحداث جامعة “اللاهوت المسيحي والدراسات الدينية والفلسفية” مرسوم بتحديد الـ 21 من كانون الأول القادم موعداً لإجراء انتخابات تشريعية لمقعد شاغر في دائرة دمشق الرئيس الأسد يصدر قانون إحداث وزارة “التربية والتعليم” تحل بدلاً من الوزارة المحدثة عام 1944 هل ثمة وجه لاستنجاد نتنياهو بـ "دريفوس"؟ القوات الروسية تدمر معقلاً أوكرانياً في دونيتسك وتسقط 39 مسيرة الاستخبارات الروسية: الأنغلوسكسونيون يدفعون كييف للإرهاب النووي ناريشكين: قاعدة التنف تحولت إلى مصنع لإنتاج المسلحين الخاضعين للغرب الصين رداً على تهديدات ترامب: لا يوجد رابح في الحروب التجارية "ذا انترسبت": يجب محاكمة الولايات المتحدة على جرائمها أفضل عرض سريري بمؤتمر الجمعية الأمريكية للقدم السكرية في لوس أنجلوس لمستشفى دمشق الوزير المنجد: قانون التجارة الداخلية نقطة الانطلاق لتعديل بقية القوانين 7455 طناً الأقطان المستلمة  في محلجي العاصي ومحردة هطولات مطرية متفرقة في أغلب المحافظات إعادة فتح موانئ القطاع الجنوبي