الثورة أون لاين – هفاف ميهوب:
“إننا نوشك أن نغتال أحفادنا، ونعد انتحاراً كوكبياً في القرن الحادي والعشرين، إذا ما استسلمنا للانحراف القائم في السياسة العالمية، البطالة والإبعاد والغربة داخل الوطن، والجوع في ثلاثة أرباع العالم، والهجرة من عالم الجوع إلى عالم البطالة”.
مقولة للكاتب والفيلسوف الفرنسي “روجيه غارودي” الذي شهد خلال مشاركته في الحرب العالمية الثانية، ماجعله يتناول أهم الأحداث التي امتدت فيها معركته التي شنَّ فيها أعنف هجوم، ضد الصهيونية والولايات المتحدة التي خلعت عنها الضمير وتسربلت بأحقادها العنصرية.
تناول هذه الأحداث عبر مؤلفات أشهرها “أمريكا طليعة الانحطاط”. الكتاب الذي يعتبر شاهداً على أحداث القرن العشرين، والذي أزاح فيه ركام الرماد عن القرن الواحد والعشرين.. التفت إلى الماضي ومذابحه وحرائقه، ثمَّ بشَّر بمستقبلٍ يغرق فيه الحلم الأمريكي بمأساويته.
بشر بذلك بعد أن اتّهم الصهيونية بالعدوان والإجرام، وأميركا بالانحطاط والسعي لإقامة نظام عالمي جديد بلا نظام.. نظامٌ يقود حرب عالمية ثالثة وهدفه الإجهاز على كل من يحمل قيماً غير قيمه، أو يدافع عن إنسانيته أو وطنه.
“معركة عصرنا هي معركة ضد أسطورة التقدم، فهي أسطورة انتحارية.. لقد أعطى الغرب الاستعماري، ومنذ خمسة قرون، مثال التطرف الأكثر فتكاً، وهو الادعاء بامتلاك الثقافة الوحيدة الحقيقية – الدين العالمي الوحيد، مع نفي أو تدمير الثقافات الأخرى والنماذج الأخرى للتنمية”.
إنه النظام الذي ستكون تدخلاته في الدول بدعوى مكافحة الإرهاب وهي حجته للتدخل الإنساني. إسرائيل هي المحرض، وأميركا هي الفاعل، والهدف الأول هو السيطرة على بترول الشرق الأوسط، وطمس كل أثر حضاري – أخلاقي.
هو أيضاً، النظام الذي سيعمل على إقامة مذابح ستودي بحياة الملايين، والذي سيقيم خطط سلام واهية في الوقت الذي يتحالف فيه مع الأصوليين التكفيريين.
“من المتفق عليه، أن كلمة الإرهاب “في القاموس الأمريكي” تشمل كل أشكال مقاومة الشعوب دفاعاً عن استقلالها، مع استبعاد كل أشكال الإرهاب التي تمارسها الولايات المتحدة التي تهدد استقلال هذه الشعوب. على سبيل المثال: “يزعمون أن مقتل جندي إسرائيلي في الجزء المحتل من جنوب لبنان” أي مقتل محتل من قِبل مقاوم” هو عمل إرهابي. أما مذبحة المدنيين في قانا، والقصف الإسرائيلي الذي وصل حدود مدينة بيرت، فهو لديهم “دفاع مشروع”.
كلّ ذلك، جعل “أميركا طليعة الانحطاط” وهو ما يؤكده “غارودي” مفنداً الأسباب التي ستزيد من تمزقها وعزلتها. تمزقها الداخلي بسبب الحياة الأميركية المتفكِّكة ومنعدمي الثقافة والقيم الذين يقومون بأعمال السلب والنهب والتخريب والشذوذ والقتل الهمجي، وهم من تبقى فيها بعد أن تم قتل وإبعاد سكانها الأصليين.
أما الأسباب التي ستزيد من عزلتها، فتشوه علاقاتها مع دولٍ خارجية، إضافة إلى حروبها واعتداءاتها التي تبررها بالقول أنها تسعى لنشر الديمقراطية. أيضاً، إصرارها على تحطيم أي نظام لايوافق زعامتها، وتدمير أي شعب لايخضع لسياستها أو ديكتاتوريتها.
باختصار.. أميركا دولة كاذبة، مهيمنة، عنصرية، وحشية.. دولة بلا جذور، وهو مايزيد نقمتها على كل الشعوب عميقة الجذور الحضارية..
“أميركا طليعة الانحطاط” والانحطاط هو: “قطع أواصر النسيج الاجتماعي، لتحويل المجتمع إلى ذرات، ولتخريب العلاقات بين الجماعات القومية، الاجتماعية، الدينية، وذلك عندما لا تعتبر وحدة العالم هدفاً نهائياً وقاعدة كبرى.
الانحطاط على المستوى الفردي، يعني الاهتمام بالنفس ورفض الآخر، ورفض أي مسؤولية تجاهه، وعلى مستوى الجماعات، هو النزوع إلى السيطرة بشكلٍ كلي”