لا تنفك الولايات المتحدة الأميركية تعدّ قوائمها وتصنيفاتها الخاصة بالدول والشعوب في مجال الإرهاب، فتتهم وتبرئ وفقاً لمصالحها وأجنداتها الخاصة، متناسية دورها ودور حلفائها المحوريين في دعم وممارسة الإرهاب حول العالم، إذ لا تزال تصرّ على الخلط بين المقاومة والارهاب لتبرئة الكيان الصهيوني من جرائمه الإرهابية ووصم الحركات الشعبية والدول العربية المقاومة لهذا الكيان بهذه النعوت والصفات البعيدة عنها كل البعد بحسب شرعة الأمم المتحدة..
بالأمس كان لافتاً قيام وزارة الخارجية الأميركية برفع اسم السودان من قوائمها الإرهابية، كما لو أنها تكرم هذا البلد العربي بتبرئته من هذه التهمة الظالمة التي يعرف الجميع ارتباطها بالموقف الرافض للاحتلال الإسرائيلي البغيض، ولعل الخشية هنا من أن يكون التصرف الأميركي مقدمة للضغط على الخرطوم للتطبيع مع الكيان الصهيوني بعيداً عن مصالح شعبه.
ليس ثمة من يجهل حجم التهم التي كانت توجه للسودان الشقيق في السنوات الماضية بسبب مواقفه الداعمة للقضية الفلسطينية من جهة أو المغردة خارج سرب المصالح الأميركية من جهة أخرى، والتي كانت ذريعة للعدوان عليه في أكثر من مناسبة بحجة “دعم” الإرهاب ــ غارات أميركية دمرت مصنع الشفاء للأدوية قرب الخرطوم عام 1998، وغارات إسرائيلية بين عامي 2009 و2011 ــ أو ثمة من ينسى المؤامرات التي استهدفته وكانت سبباً في حروب داخلية طويلة ومدمرة سواء في إقليم دارفور أو في الجنوب حيث أدى ذلك إلى تفتيته إلى دولتين باتت إحداهما يمكن”دولة جنوب السودان” وطيدة العلاقة مع العدو الإسرائيلي، وذلك يمكن أن يكون مصادفة بريئة.
بالطبع ليس من حق أحد وصم أو تبرئة هذه الدولة أو تلك بالإرهاب، وخاصة إذا كانت واشنطن من يقوم بذلك، وهي المشهود لها بممارسة أعتى أنواع الإرهاب، بدءاً بـ”إرهاب الإبادة” ضد الهنود الحمر سكان البلاد الأصليين مروراً بـ”الإرهاب النووي” ضد اليابان في الحرب العالمية الثانية، مروراً بأنواع مختلفة من الإرهاب السياسي والعسكري الاحتلالي والإعلامي…إلخ، وليس انتهاء بالإرهاب الاقتصادي الذي تمارسه واشنطن بحق السوريين عبر “قانون” قيصر الظالم، نتيجة مواقف سورية المكافحة للإرهاب من جهة والداعمة لحركات المقاومة العربية ضد الاحتلال الإسرائيلي من جهة أخرى..
لا نجانب الحقيقة حين نؤكد أن التهم الأميركية بالإرهاب ضد أي دولة عربية هي شهادة اعتراف بأنها دولة مقاومة ومناهضة للمشاريع الصهيونية والأميركية المعادية، ولذلك لا يمكن النظر للتصنيفات الأميركية بحسن نية، لأن من يتهمون ويبرئون هم رأس الإرهاب في العالم، والعالم كله يعرف ذلك.
نافذة على الحدث- عبد الحليم سعود