الثورة أون لاين – ترجمة ميساء وسوف:
مع تزايد نظرة واشنطن المستمرة باعتبار الصين منافساً إيديولوجياً قوياً، دعا وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو في خطاب ألقاه مؤخراً، إلى ضرورة إنشاء “تحالف جديد للديمقراطيات” لمواجهة الصين، وقد أثار هذا الاقتراح اهتمام الكثير من الساسة الأمركيين الذين ما زالوا عالقين في عقلية الحرب الباردة. وقد عرضت مقالة رأي تمّ نشرها مؤخراً في مجلة اتلانتيك، اقتراحات أميركية حول كيفية تنظيم “تحالف” يمكن أن يمنع الصين من فرض قيمها.
ويبدو أن هناك مجموعة من السياسيين والعلماء في الولايات المتحدة تشعر بالخوف من صعود الصين وتعمل على تصعيد مواقفها العدائية تجاهها ما دفع بالأمور إلى المزيد من التوتر بين البلدين، ويريد هؤلاء وبشكل هستيري بناء تحالف مناهض للصين بغرض احتوائها كما فعلت الولايات المتحدة مع الاتحاد السوفياتي خلال حقبة الحرب الباردة، ولتبرير هذه المحاولات اتهموا الصين بتوجيه تهديدات للولايات المتحدة والغرب عن طريق الإيديولوجيا ومحاولة التسلل إلى الغرب بنشر القيم الصينية.
إنّ اعتبار الصين عدواً أيديولوجياً ينوي تصدير القيم للغرب والإدعاء بأنها تهدف إلى إفساد النظام السياسي الغربي يعتبر بالنسبة لهم أبسط طريقة “لتوحيد” ما يسمى بالديمقراطيات الحرة الغربية لتشكيل تحالف مناهض للصين.
ولكن هل تهدف الولايات المتحدة حقاً إلى حماية القيم الغربية من خلال إطلاق حملة تعبئة لقمع الصين؟ يبدو أنّ عدد من يعتقد هذا قليل جداً. بلا شكّ إنّ الغرض الحقيقي للولايات المتحدة هو خلق المشكلات لمنع صعود الصين حتى تتمكن أميركا من الحفاظ على هيمنتها على العالم.
إنّ ادعاءات واشنطن أن الصين تحاول تصدير القيم لا أساس لها، وقد أدّت الاختلافات في النظم السياسية بين الصين والغرب إلى وجود احتكاكات في القيم والأيديولوجيات، لكنّ الصين ليست دولة تصدر القيم والإيديولوجيات، كما أنّها لا تنوي تغيير النظام السياسي وأنماط الحياة لا في الولايات المتحدة ولا في الدول الغربية الأخرى. بالعكس من ذلك ففي تفاعلها وتعاملها مع الدول الأخرى تصرّ الصين بشكل دائم على فلسفة التعاون المربح للجانبين، ولم تقم أبداً بفرض قيمها على الآخرين كما تفعل الولايات المتحدة ودول الغرب الأخرى، لكنّ الاختلافات في القيم كانت هي الذريعة الوحيدة لواشنطن كي تستطيع حشد ما يسمى بالديمقراطيات الحرّة ضد الصين.
وفي نظر معظم السياسيين والمسؤولين الأميركيين، فإن “الخطيئة الكبرى” للصين هي بسبب صعودها المتسارع الذي يهدد هيمنة الولايات المتحدة في النظام الدولي، ولهذا قررت الولايات المتحدة أن تستخدم جميع الوسائل الممكنة لإحباط تنمية الصين وتقدمها من أجل الحفاظ على هيمنتها.
فهل تهتم واشنطن حقاً بالقيم الغربية؟ إن القمع الذي تمارسه الولايات المتحدة بشدة على TikTok، وهو تطبيق لشركة صينية تعمل في الولايات المتحدة لمشاركة الفيديو، وطلبها من الشركة الامتثال الصارم للقوانين المحلية، يبرز النفاق الأميركي. إنّ TikTok هي منصة مجانية ومفتوحة تتيح للمستخدمين عرض إبداعاتهم، وهي منصة شائعة في الولايات المتحدة يستخدمها ملايين الأميركيين للتواصل مع بعضهم البعض، بما في ذلك عرض استيائهم من الرئيس الأميركي الحالي دونالد ترامب. وإذا تم حظر التطبيق في الولايات المتحدة ،الأمر الذي يمكن أن يحدث قريباً جداً، فسيكون ذلك انتهاكاً لحرية التعبير والمنافسة الحرة في السوق. إذ كيف يمكن للولايات المتحدة من جهة أن تدعي حماية القيم الغربية من التسلل الصيني بينما تدوس هي على القيم الغربية من ناحية أخرى؟.
لقد أصبح تطبيق TikTok الصيني بمثابة الكارثة بالنسبة للولايات المتحدة لأن هذه التقنية الجديدة تحدت مصالح شركات التكنولوجيا الأميركية وأثرت كثيراً على وضعها في السوق، وتسعى الولايات المتحدة إلى استهداف هذا التطبيق من أجل الحفاظ على هيمنتها العالمية في المجال التقني.
لا شك أنّ الولايات المتحدة ستواصل إثارة قضية ما يسمى التهديدات التي تشكلها الصين في القيم والأيديولوجيا لتبرير قمعها للصين، لكن يبدو من الواضح جداً أنّ الهيمنة الأميركية بالكاد يمكنها أن تستمر بهذه الطريقة البربرية.
المصدر Global Times