الثورة اون لاين – لميس علي:
“كلما تألمت أكثر كلما أحببت أكثر”..
عبارة ينطقها بطل فيلم “القارئ” الفتى مايكل، الفيلم الذي أُنتج عام ٢٠٠٩، المقتبس عن رواية الألماني برنارد شلينك.
ينطقها وهو يسرع للقاء محبوبته، مستعذباً حبّه وما فيه من ألم.
يصور العمل علاقة عاطفية استثنائية. واللافت أن الفارق العمري بين البطلين، مايكل لم يتجاوز العشرين بينما هانا بعمر السادسة والثلاثين، الفارق العمري لم يمنع مايكل من معرفة كون الألم لصيق المشاعر الصادقة العميقة.
فكلّما كانت مشاعرك تحفر عميقاً في ذاتك كلّما سطّرت حروف ألمك بأوضح ما يمكن للألم أن يكون، والعكس صحيح.
يبدو أن الألم مقياسٌ لمعرفة شدة وصدق مشاعر المرء، وبينما يكون هنا، في حكاية هانا ومايكل، قريناً ودليلاً على حقيقية المشاعر وعمقها،يبدو أنه لدى آخرين دليل على منسوب معرفتهم.. ألم يقل إميل سيوران: “أن تتألم يعني أن تُنتج المعرفة”..
في الحالين يتم توظيف الألم ليكون شرطاً واجباً في تحقّق كل من “الحب والمعرفة” الشيئين الأغلى اللذين يمكن للمرء امتلاكهما يوماً.
غالباً ما اشتمل قول سيوران وأراد الإشارة إلى خبرة يكتسبها الإنسان بفعل خوضه غِمار صعاب الحياة وما تجرّه عليه من وجعٍ “لازم” في سبيل تحصيله معرفةً حياتية يقتنصها جراء آلامه.
الألم يصقل الروح.. ويحرك أعماقها لتُظهر أروع ما فيها..
وحدها النفوس العظيمة قادرة على تطويع الألم ليكون أداةً تنبش جواهر غير ظاهرة لديها.. بينما لدى نفوس أخرى فيختلف الأمر.
ربما نستغرب أن يكون الألم حاضراً بل وفاعلاً لدى حصول المرء على ألذ ما يتمناه من متع “الحب”.. ولهذا لن يكون سبباً في تصعيد حالة إبداع ٍ حقّة وحسب، بل شرطاً لامتلاك أمتع الأشياء في حياتنا على أصولها.
هل يعني ذلك أنه كلّما تألّمنا أكثر، كلّما عشنا الحياة أكثر.. وخبرناها أكثر..؟
الفيلسوف الجميل نيتشه يقول: إذا “قررت تقليل درجة الألم البشري فأنت أيضاً تقلّل قدرة البشر على الشعور بالمتعة والسعادة”..
يربط بينهما صاحب “المعرفة المرحة”.. بين درجة الألم ودرجة السعادة التي يمكننا تحصيلها في حياتنا.. فكلما أردتَ تذوق المتع والسعادة أكثر كلّما وجب عليك دفع ثمنهما آلاماً أكثر..
لعلهما ضدان مقترنان يتكاملان.. كما لو أنهما وجهان لعملةٍ واحدة.