ثورة أون لاين- بقلم رئيس التحرير عـــلي قــاســـــــم:
تستطيع السياسة الأميركية أن تواصل نفاقها حيثما تشاء، لكن سيكون من الصعب على دبلوماسيتها أن تُقنع الأميركيين بأن هذا النفاق سيخدم المصلحة الأميركية بعد أن أعلنت شراكتها مع الإرهاب.
وقد يكون بمقدورها أن تقدّم ذرائع جديدة وتستعيد حتى القديمة منها، لكن سيكون من العسير جداً أن تبرر تفويضها السعودية في تزعّم الإرهاب الدولي، خصوصاً حين تقترن في ذاكرة الأميركيين بتجربة مريرة تستنسخ ما فرضته القاعدة وأخواتها، ووكيلها المعتمد آنذاك في واشنطن، هو ذاته مفوضها الحصري اليوم في قيادة الإرهاب الأميركي بنسخة سعودية ممهورة بالأصابع الاسرائيلية.
المحسوم أن التورط الأميركي سياسياً – على الأقل في تسليح الإرهاب – تترتب عليه تداعيات تدرك إدارة الرئيس أوباما أنها على المستوى الشخصي لن تكون بمنأى عنه ووفق القوانين الأميركية ذاتها، حيث دعم الإرهاب وتسليحه أو تمويله ومساندته سياسياً، سيكون من الصعب هضمه، حتى لو كان تحت لائحة المصلحة الأميركية العليا التي بدت شماعة لكل الاتجاهات.
وعسكرياً لم تقدّم سيناريوهات ديمبسي الخمس ما يمكن أن يخفف من الهواجس الأميركية، ولم توفر لها باحتمالاتها المختلفة مخرجاً يمكن له أن يحفظ ماء وجه الإدارة الأميركية إذا ما قررت التورط أبعد من ذلك، في وقت تدرك فيه واشنطن أن خياراتها وحروبها النفسية التي تقف خلف تلك الخيارات لن تعدّل كفة العجز الأميركي في المدى المنظور حتى لو لم تجاهر به.
والسؤال: لماذا سايرت الإدارة الأميركية ضغوط الأصوات المتطرفة ولم تأخذ بتحذيرات لها تأثيرها داخل الكونغرس الأميركي؟!
لا تبدو الإجابة صعبة، حين ترتبط بالمزاج العام السائد في المنطقة، أو حين تعود إلى جوهر السلوك الأميركي وأداء إدارة أوباما في الأزمات الدولية، وتبدو أبسط بكثير حين تتعلق بالأزمات التي أشعلتها وتشعلها في المنطقة، حيث القرينة الإسرائيلية جاهزة، ويمكن من خلالها فهم كل ما يترتب على ذلك من أحجيات.
فقد اعتادت أميركا أن تمارس سياستها على وقع المجسّ الإسرائيلي، وبرز ذلك بوضوح في تعاطيها مع تطورات الأزمة في سورية، وكان من الطبيعي أن تبحث عن إسرائيل في أي قرار أميركي وفي أي موقف أميركي، وأن تستند إلى تفاصيل تقاطعها مع الرغبة الإسرائيلية لتفسير ما ينطوي عليه من مفارقات.
هذا ليس استنتاجاً سياسياً، ولا هو قراءة تحليلية في الموقف الأميركي، بل وقائع يمكن متابعتها قبل اندلاع الأحداث في البلدان العربية وأثناءها وتباعاً مع تطوراتها واتجاهاتها، كما أنها أدلة قاطعة على مسح أميركي نهائي لكل التقاطعات التي تنشأ بحكم التداخل أحياناً.
على ذلك ظل القرار الأميركي بتسليح المعارضة السورية يتأرجح طويلاً على المسافة الفاصلة بين حسابات المصلحة الإسرائيلية، والمدى المجدي سياسياً للقرار على صورة الأميركي ومصداقيته في المنطقة، إلى أن حسمت واشنطن الأمر فتخطت أبسط المظاهر الشكلية، وقطعت خيوط الرجعة وأحرقت مراكب اصطفافها السياسي.
ولم تكد أميركا تعلن عن قرارها رسمياً وعبر بوابات الكونغرس الأميركي، حتى كانت إسرائيل تعلن عن الموافقة على تسليح التنظيمات المسلحة على لسان وزير استخباراتها كغطاء لقرار الإدارة الأميركية تجاه الداخل الأميركي، الذي يستشعر خطورة وتداعيات القرار أكثر من إدارته المنشغلة أساساً بتغليب الرغبة الإسرائيلية على أي مصالح أميركية حيوية.
على هذا الأساس كان القرار الأميركي جردة متأخرة تمهد للفصل النهائي بين الدور الأميركي في الحل السياسي، ووظيفتها الكونية في النظام العالمي، وكرّست وجودها لخدمة المصلحة الإسرائيلية التي بدت أكثر استعداداً للخروج العلني في محاكاة هذا التفهم الأميركي، بالتزامن مع الودّ الظاهر في العلاقة مع السعودية، الداعم الأكبر للإرهاب الدولي والممول لنشاطاته، بعد أن باتت في الأجندة الأميركية الرسمية الراعي المعتمد والوحيد له على مستوى العالم.
بين الكفالة السعودية للإرهاب والضمانة الإسرائيلية، يأخذ القرار الأميركي تجاذبات المنحى الذي يدفع بأميركا لتعيد شراكتها المباشرة في تجنيد الإرهاب العالمي مرة أخرى، بحيث تتقاطع مصالحها العلنية مع الأهداف الإرهابية المخفية، لكنها هذه المرة بلبوس يبدو أكثر إجحافاً بحق الأميركيين، وهم الذين يدفعون فاتورة الحسابات الإسرائيلية، ويبدو أن عليهم هذه المرة أن يضيفوا إليها ضريبة تهوّر إدارتهم، والقيمة المضافة عليها نتيجة حماقات من تشغّلهم من داعمي الإرهاب بنسخته السعودية ، وقد سبق لها أن قطفت بعض نتائج ذلك التشغيل في ارتداداته على الداخل الأميركي.
a.ka667@yahoo.com