السيناريو التلفزيوني مفتاح البناء الدرامي

 الملحق الثقافي:سلام الفاضل:

لم يكن يدور في خلد أولئك الذين كتبوا الصفحات الأولى في النصوص الدرامية التلفزيونية الرائدة، أنهم يؤسسون لفن جديد في الكتابة، سيُعتبر في المرحلة التالية من تجربتهم واحداً من أهم الفنون المطلوبة في سوق الإنتاج التلفزيوني. فالنص الدرامي التلفزيوني في أشكاله الأولى، غدا بمنزلة المفتاح السحري للبناء الدرامي كله، فمن خلاله تتجسد أمامنا مشاهد الأعمال الرائدة التي ما زال أرشيف التلفزيون يحتفظ بها، والتي بدأت قليلة، ثم تراكمت يوماً بعد يوم، وسنة إثر أخرى، لتؤسس تراثاً كبيراً من العروض، يمكن وصفه بأنه واحد من الثروات الفنية الوطنية التي تطرق باب الباحثين والدارسين والنقاد للحديث.

وانطلاقاً من هذه الأهمية التي حظي السيناريو التلفزيوني بها، كونه الرافعة التي يستند إليها العمل الدرامي ككل، يأتي كتاب (تطور السيناريو التلفزيوني في سورية)، تأليف: عماد ندّاف، والصادر مؤخراً عن الهيئة العامة السورية للكتاب، يأتي ليستكمل شوطاً من عملية البحث في الكتابة الدرامية، وليضع أمام القارئ واحداً من الكتب الضرورية لمكتبة السينما والتلفزيون تجمع بين عنصرين أساسيين في الموضوع، هما: تاريخ النص الدرامي التلفزيوني، إضافة إلى أنواعه التي نشأت طوال الفترة الممتدة بين عامي 1960- 2010.
ويورد المؤلف في مقدمته، بأن كتابه هذا يدرس في فصوله أنواع النص الدرامي ومصادره. ويقول: “وقد قسمته إلى قسمين، القسم الأول، يتوزع على فصول تتحدث عن النصوص الدرامية ومصادرها من خلال علاقتها بالواقع والتاريخ والسيرة الذاتية والشعبية، إضافة إلى الاقتباس والترجمة، كما خصصتُ حيزاً مهماً للنصوص الكوميدية التلفزيونية السورية.
أما القسم الثاني فيتناول المكان والزمان في الدراما التلفزيونية السورية، ويتوقف في فصوله عند عناصر ومفاتيح البيئة الدرامية ويخصص وقفة مطولة للحارة، ثم يتوقف عند نموذج مسلسل باب الحارة والمآخذ عليه.

انعكاس الواقع في الدراما
كان المجتمع السوري ضمن نسيجه المعروف، قد أنتج استقلالاً ناصعاً في أواسط الأربعينيات من القرن الماضي، وفي هذا الاستقلال تتبدى صورة هذا المجتمع نموذجية في تنوعها، وتكاتفها. وكان المجتمع السوري في ذلك الوقت يحفل بالكثير من الظواهر التي لا تخفى على أحد في الفن والأدب والترفيه؛ فقد كان للدمشقيين مجتمعات خاصة، منذ الحرب العالمية الأولى وما قبلها، تعرفنا من خلالها على أبي خليل القباني في تجاربه المسرحية والغنائية.
وإن غنى المجتمع السوري بتراثه الثقافي أنتج في تلك المرحلة نصوصاً متتالية متجددة بحيث كان المسرحيون لا يكررون مسرحياتهم. شهد المسرح السوري، فيما بعد، قيام نهضة مسرحية أعقبت إنشاء المسرح القومي في سورية عام 1959، ليأتي عام 1960 ويُشَق الطريق أمام التلفزيون وفنونه وسحره، الذي انطلقت شارة بدايته وسط مجتمع كان يحمل على عاتقه مجموعة هموم دفعة واحدة تركتها الصراعات والتناقضات التي كانت تجري في حياة البلاد السياسية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية.
في العقد الأول الذي تلا عام 1970 سارت البلاد خطواتها الأولى في طريق الاستقرار، وعلى الرغم من قيام حرب تشرين التحريرية عام 1973 إلا أن جدول النصوص الدرامية التلفزيونية، الذي يوثق الإنتاج الدرامي، لا يورد سوى عدة أعمال عن الحرب، أما الواقع السياسي والتناحرات التي تمت وما نتج عنها فتغيب أو يتأخر الحديث عنها، إذ نجد أن الكتّاب كانوا يذهبون إلى التاريخ، والكوميديا المضحكة، والإيحاء والرمز دون الحاجة للبحث عن الأسباب، ولعل شدة القبضة الرقابية والدينية والاجتماعية كانت تفعل فعلها فتدفع الفن إلى الهروب عن تحديد أساس المشكلات التي كانت تواجه البلاد.
إلا أن بعض الكتاب الدراميين، ومنهم الدكتور فؤاد شربجي، يعارض هذه النتيجة، ويرى أن هذا ظلم للنصوص الدرامية التي قدمها المخرجون على الشاشة في ذلك الوقت، فمسلسل (أسعد الوراق) مثلاً دخل في أخطر موضوع ممكن أن يشعل حساسية الرقابة الاجتماعية وهو موضوع الخرافة والمعتقدات الشعبية الدينية الغيبية. كما يرى نقاد آخرون شيئاً من هذا القبيل، عندما أعلنوا في الكثير من تصريحاتهم أن فن الدراما أنتج كوميديا ضاحكة ناقدة ما لبثت أن اقتحمت المحرمات السياسية كـ (مقالب غوار) التي يمكن عدُّها بداية كوميديا الاحتجاج الاجتماعي التي تطورت لاحقاً لتطال الواقع السياسي. ولكن أياً يكن من شيء فإن الدراما التلفزيونية السورية وضعت في تلك المرحلة لبناتها الأولى، وشرعت بفرز كتّابها، وصياغة رؤاها في سبيل بلورة حضورها كمنتج إبداعي ذي حضور فاعل على طاولة الفضائيات العربية لاحقاً.

الحارة مكان يؤسس للبيئة الشامية
شكلت الحارة كمكان ديموغرافي ذي سمات خاصة ما يشبه المفتاح لبناء درامي ينتمي إلى (البيئة الشامية) في أعمال كثيرة تتحدث عن مراحل تاريخية مختلفة عاشتها بعض مناطق دمشق القديمة، ولا بد من الاعتراف بأهمية الأعمال التي نسبت إلى هذه البيئة ونجاحها في تحقيق نسبة مشاهدة عالية سواء اتفق النقاد على جودة سوياتها أم لم يتفقوا.
وتأتي أهمية هذه الحارة من كونها تمكنت من إعادة المشاهد إلى بيئة يحن إليها ويعتز بها، ويعترف بالآثار الكبيرة التي تركتها في وعيه الاجتماعي والنفسي المباشر وغير المباشر. وحينما بدأت الحارة تظهر في النص الدرامي السوري، ظهرت آليات مختلفة في التعامل معها كمكان، فقد اختلف كتّاب النصوص في آلية رسمها كحارة شامية شعبية، وكادت معانيها تغيب لتظهر بدلاً منها صورة أخرى فقدت الخصائص التي تفرزها الحارة كمكان نابض بروحية التاريخ والعراقة والأصالة، وكان التعاطي معها في المشاهد المكتوبة في تلك النصوص ميكانيكياً يؤطرها في مهمة واحدة هي المعبر الذي تتحرك فيه الشخصيات.
فالحارة في مسلسل (حمام الهنا) مثلاً كانت ضائعة الملامح، ولم تسهم في كشف البنية الاجتماعية القائمة، فكانت الأحداث تبدأ في الحمام، لتعود وتنتهي فيه. وقد نفى الدكتور فؤاد شربجي كاتب مسلسل (أبو كامل) في أكثر من مرة، أن تكون الأعمال المعاصرة التي تتحدث عن الحارة معبرة عن البيئة الحقيقية لهذه الحارات المعروفة بالبيئة الشامية لأن: “البيئة الشامية لا يمكن أن تكون مجرد حيز مكاني أو شكل ملابس، أو عراضة للفرجة… إنها كل ذلك إضافة إلى مجموعة العلاقات والسلوكيات والآراء والأفكار والعادات والمعتقدات المتفاعلة مع بعضها البعض”.
بقي أن نشير أخيراً بأن هذا الكتاب يقع في 422 صفحة من القطع الكبير.

التاريخ: الثلاثاء25-8-2020

رقم العدد :1010

 

 

آخر الأخبار
جهود مضنية لاحتواء حرائق غابات في جبل التركمان والفرنلق حرائق الساحل.. ترميمها يحتاج لاستراتيجية بيئية اقتصادية اجتماعية خطة طموحة لتحسين خدمات المستشفى الوطني الجامعي.. استشارات وحجز مواعيد وتفاعل مع المرضى والمواطنين بك... أريحا بتستاهل.. مبادرة تطوعية تؤهل أكبر حدائق المدينة أطفال الشوارع.. براءة مهدورة.. انعكاس لأزمة مجتمعية وتجارة يستثمرها البعض  تمديد فترة استلام محصول القمح في ديرالزور استئناف استلام محصول التبغ في حماة إنهاء التشوهات في سعرالصرف يتطلب معالجة جذرية  التحول نحو الاقتصاد الحر.. خطوات حاسمة لدعم المصرف المركزي السوري فزعة الأشقاء.. الأردن يهبّ لمساندة سوريا في إخماد حرائق الساحل أول شحنة منتجات من المدينة الصناعية بحسياء إلى الولايات المتحدة الأميركية رئيس الجمهورية يتابع ميدانياً جهود الاستجابة لحرائق ريف اللاذقية  تشكيل مجموعة العمل المشتركة حول التقنيات المالية بين مصرف سوريا المركزي ووزارة الاتصالات 138 خريجاً من مدرسة التمريض والقبالة في حلب يؤدّون القسم تحفيز إبداع فناني حمص مبادرة وطنية لحفظ وتثمين التراث السوري الهيئة الوطنية للمفقودين تطلق المرحلة الأولى من عملها هوية دمشق القديمة.. حجر اللبون بين سوء تنفيذ.. وترميم غير مدروس بحث تطوير مطار حلب وخطوات جديدة نحو الإقلاع الاقتصادي حركة نشطة عبر معبر السلامة.. أكثر من 60 ألف مسافر في حزيران وعودة متزايدة للسوريين