الثورة أون لاين – دينا الحمد:
لم يكن إطلاق وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف مؤخراً لعبارة (سيادة قانون الغاب والعنصرية في السياسة الأميركية) بعيداً عن الواقع، بل إن الوزير عبر عن جوهر الحقيقة التي يعرفها الأعداء قبل الأصدقاء، وباتت دول محسوبة على أميركا، أو حتى تلك التي تنضوي تحت عباءتها، تبوح بهذه الحقيقة بكل جرأة، بل أصبح المواطنون والدبلوماسيون الأميركيون ومراكز البحوث واستطلاعات الرأي ووسائل الإعلام الأميركية تقر بها وتتحدث عن تفاصيلها قبل إعلام الآخرين ومراكز بحوثهم.
و(قانون الغاب) الذي قصده ظريف ليس ناتجاً عن سياسات ترامب العنصرية، رغم أن الأخير أججها وزاد من آثارها الكارثية على بلاده والعالم، بل إنه يسود السياسة التي تنتهجها الولايات المتحدة الأميركية منذ تأسيسها، وما وحشية الشرطة الأميركية في تعاملها مع الاحتجاجات ضد العنصرية في البلاد هذه الأيام إلا نتاج لسلوكها العنصري عبر عقود بل مئات السنين من الاضطهاد ضد الملونين دون أن تتم محاسبة المسؤولين عن جرائم العنصرية أو محاكمة أي منهم.
اليوم تأبى إدارة دونالد ترامب العدوانية إلا أن تسير على النهج العنصري ذاته الذي سارت واشنطن على سكته على مر الزمن، ويبدو أنها لا تستطيع أن تخلع هذا الجلد العنصري، ولا التخلي عن أيديولوجية الهيمنة والتسلط على الشعوب أو التوقف عن غزوها ونهب ثرواتها، لأن هذا التخلي سيجعل أميركا تنزوي وتنكفئ على ذاتها وتخسر كثيراً، ولذلك نراها تمعن في نشر (قانون الغاب) على امتداد المعمورة وتعميم سياسات الفوضى الهدامة من سورية والعراق إلى ليبيا وآخر بقعة من آسيا وإفريقيا.
ولهذه الأسباب نراها أيضاً تستخدم سياسات البحث عن التوتر الذي يؤدي إلى زعزعة السلم والأمن الدوليين وانتشار وتأجيج الأزمات في مناطق العالم المختلفة بدلاً من حلها بالوسائل السلمية، لأن هذا الأمر يتيح لها اللعب وإدارة الأزمات كما تشتهي رياح شركاتها الجشعة وأشرعة سفنها الاستعمارية.
فالهيمنة على العالم ونشر (قانون الغاب) في طوله وعرضه يتيح لأميركا أن تبقى الآمر الناهي على الدول الضعيفة، ويتيح لها أن تظل صاحبة السطوة الدائمة على الجميع، ولذلك نرى مبعوثيها وممثليها في المنظمات الدولية يرفضون الالتزام بالقوانين الدولية ويدوسون على الشرعية الدولية ولا يحترمون العهود والمواثيق الدولية التي وضعت لتأمين العلاقات والروابط بين الشعوب بما يحقق الوصول إلى عالم ينعم بالهدوء والطمأنينة والاستقرار.
أخيراً ما صرح به ترامب ثم مسؤول وزارة الأمن الداخلي الأميركية ضد مواطنيه وتهديدهم بقمع احتجاجاتهم وتظاهراتهم في مدينة بورتلاند وقوله لهم: “كل الخيارات مطروحة على الطاولة” ليست جديدة على البيت الأبيض، فالعنصرية تنخر عظام ساكنيه منذ مئات السنين، و(قانون الغاب) هو شعارهم ومنهجهم وعنوانهم بلا منازع.