الملحق الثقافي:سلام الفاضل :
العتبات النصية جزء من نظام معرفي قائم بذاته، له خصائصه التمييزية وأبعاده الجمالية، يُكسب النص الشعري قيمة إبداعية، تسهّل نقل مقاصده، وتعمق أدبيّته، وتوسع جماليات تلقيه على مستوى التداول القرائي.
والاهتمام النقدي بالعتبات النصية بدأ بعد توسع مفهوم النص الذي جاء رداً على الرؤية البنيوية التي عملت على إعلان موت المؤلف وانغلاق النص على ذاته وقطع بعده المرجعي، مما جعل النص الأدبي ينفتح على العالم، ليس بوصفه نقلاً بل بصفته نصاً على نصوص أخرى وثقافات وأجناس وخطابات عدة، فصار التداخل النصي قدر النص، وعُدّ مقياساً لمستوى شعرية النص.
وخطاب العتبات النصية يتكون عادة من مجموعة من نصوص معرفية، تحيط بالنص الشعري، هي: (اسم الشاعر، العنوان، الأمارة التجنيسية، كلمة الناشر، الإهداء، المقدمة، التصدير، الاستهلال، العناوين الداخلية). ولهذه العتبات مسميات عدة، منها: (النص الموازي، الخطاب الموازي، المصاحبات النصية…)، غير أن التسمية الأكثر تداولاً هي (العتبات النصية).
ومؤخراً، وضمن هذا الإطار، صدرت عن الهيئة العامة السورية للكتاب دراسةٌ حملت عنوان (جماليات التعتيب النصي في شعر الحداثة) لمؤلفها: د. مرشد أحمد، الذي أورد في مقدمته السبب الذي كان وراء اختياره عنوانه هذا، قائلاً: «بالنسبة لي اخترتُ تسمية (التعتيب النصي) وهي جديدة، لم ترد في مدونة النقد العربي الحديث الناهض على مقاربة العتبات النصية. وهذه التسمية هي الوليد الشرعي لمسمى (العتبات النصية) ولكن بزيادة جلية عنه، فملفوظ (التعتيب) على وزن (التفعيل) مصدر فعل (فعّل) بمعنى نشّط الشيء، وقوّاه، وجعله فاعلاً، فتفعيل الأمر يدل على وصف شيء بزيادة على غيره بهدف إعطائه دوراً فاعلاً وحضوراً متميزاً خاصاً به».
وقد قرر المؤلف استضافة العتبات النصية إلى مجال الاشتغال النقدي لأنها – حسب تعبيره – تبرز جانباً أساسياً من العناصر المؤطرة لبنية النص الشعري، ولبعض طرائقه وتنظيمه وتحققه التخييلي، وهي أساس كل عملية تواصلية، تمكّن النص من الانفتاح على أبعاد دلالية تغني المظهر العام للنص الشعري وأشكال كتابته.
في شعر الحداثة
تنسحب هذه الدراسة على ثلاثة فصول اختار لها المؤلف ثلاثة عتبات نصية، هي: (العنوان، والإهداء، والعناوين الداخلية)، وخصص لكل عتبة منها عملاً شعرياً واحداً انتقاها من سجل شعراء الحداثة، فاختار بناء على ذلك ثلاثة شعراء، أسسوا بحضورهم الإبداعي المشع عوالم منسوجة جمالياً، جمعت بين التجربة والخيال وروح الاستكشاف بهدف تقديم ما هو إبداعي وجمالي، يعكس روح العصر، وهم: (محمد الفيتوري، وصلاح عبد الصبور، ومحمود درويش)، واختار بوعي من إبداعهم الشعري الأعمال التالية: (عاشق من أفريقيا، والملّاح التائه، وأزهار الدم) لنهوضها على نسق من المعاني البؤرية المتمثلة بتصوير معاناة الإنسان الأفريقي الرازح تحت هيمنة الاستعمار الغربي وسطوة التمييز العرقي، والمُطالب بحقه في الحياة والوحدة، وبالتعبير عن أحلام الإنسان (بمفهومه العام) المتطلع إلى الحب والجمال ومعانقة ما وراء الأقاصي، وبتمجيد قيم البطولة والشهادة من أجل تحفيز الفلسطيني على التمسك بالأرض والهوية، مما جعل هذه الأعمال الشعرية تتصف بما يسمى بـ (الاكتناز) الإنساني والوطني.
وقد اشتغل عليها انطلاقاً من معيارية معرفية محددة تشكلت من التركيز على مبدأ القيمة الوظيفية الاعتبارية الذي يلغي العوامل الاعتباطية الخاضعة لقانون المصادقة، واستحضار التفاعلات البينية القائمة على قانون الانتقالات الافتراضية الممكنة التي تنهار معها كل الحدود الصارمة بين النص الشعري وعتباته النصية، إضافة إلى التعامل مع النص الشعري بصفته بنية مركبة متماسكة، تقتضي وجود علاقات متنوعة ومتداخلة بين عناصر النص ومقاطعه، يعبر عنها بالتماسك والانسجام.
واعتمد في دراسته هذه المنهج البنيوي ليتمكّن من الإحاطة بصيغ انبناء العتبات النصية وكيفية دلالتها على جوهر المادة، وتحديد دورها الوظيفي المتمثل في المشاركة في بناء مكونات النص الشعري الشكلية، إلى جانب اهتمامه بالمصطلح النقدي الحديث لما له من دور في بناء النظريات المعرفية والمناهج النقدية.
يقع هذا الكتاب في 191 صفحة من القطع الكبير.
التاريخ: الثلاثاء1-9-2020
رقم العدد :1011