الثورة أون لاين – عبد الحميد غانم:
جدّدت وزارة الخارجيّة الصينيّة أمس معارضتها الشديدة للاتهامات الأميركيّة
ونشرها شائعات حول الصين والتضخيم عن “تهديد الصين” ومحاولتها اختطاف دول أخرى.
وبحسب المتحدث باسم الوزارة، فقد “عمد بعض السياسيين الأميركيين من منطلق عقلية المحصل الصفري وعقلية الحرب الباردة والمصالح السياسيّة الأنانية إلى مهاجمة النظام السياسي الصيني بشراسة، إضافة إلى تشويه سمعة الصين وزرع الفتنة بين البلدان الأخرى والصين”.
تأتي هذه الاتهامات استكمالاً للممارسات الأميركيّة السياسيّة والاقتصاديّة العدوانيّة بحقّ الصين شعباً وحكومة ودوراً نوعياً ومكانة دوليّة مهمّة.
لقد جاءت تصريحات المتحدث الصيني ردّاً على الاتهامات الأخيرة الموجهة للصين من مستشار الرئيس الأميركيّ للأمن القومي روبرت أوبراين.
فماذا وراء هذه الاتهامات الأميركيّة؟
لا شكّ أنّ تلك الاتهامات محض افتراء وأضاليل لتشويه سمعة الصين التي تحظى بمكانة سياسيّة واقتصاديّة رفيعة وسمعة طيبة لدى العالم حكومات وشعوب، خاصة بعد تعاملها الراقي في مكافحة فيروس كورونا وسعيها نحو تحقيق التعاون الدولي في إطار هذه الجهود، فضلاً عن تعزيز علاقاتها الاقتصاديّة مع دول العالم.
وبحسب الناطق باسم الخارجيّة الصينيّة
فإنّ “الصين هي أكبر شريك تجاري لأكثر من 130 دولة ومنطقة ولديها تبادلات وتعاون نشط مع الدول الأخرى”.
في المقابل، فإننا نجد الولايات المتحدة الأميركيّة تنسحب بشكل تعسّفي من الاتفاقيات والمنظمات الدوليّة، وتنتقي القانون الدولي الأمر الذي قوّض بشكل خطر العدالة والإنصاف الدوليين وكذلك السلام والاستقرار والتنمية على الصعيد العالمي.
لقد بات المجتمع الدولي يدرك جيّداً ممارسات الساسة الأميركيين لنشر الشائعات والتضليل والأكاذيب لتشويه سمعة الصين وغيرها من الدول التي يشكّل تقدّمها النوعي تحدّياً كبيراً للولايات المتحدة لا تستطيع مواجهته، ويهدّد مكانتها الدوليّة التي تتراجع أمام صعود قوى عالميّة مثل الصين.
ففصول التصعيد الأميركيّ ضدّ الصين تتواصل منذ أسابيع والحملة الأميركيّة التي تستهدف الصين تأججت أكثر مع احتدام الحملة الانتخابيّة الرئاسيّة الأميركيّة، فتارة يتهمونها بتصنيع الفيروس ونشره في العالم، وتارةً أخرى يهددون بفرض عقوبات اقتصاديّة عليها، وتقديم شكاوى أمام المحاكم للحصول على تعويضات بمئات المليارات من الدولارات.
وتسعى الولايات المتحدة الأميركيّة من وراء ذلك إلى الهروب، من أزمتها الخاصة بتفاقم أزمة تفشّي فيروس كورونا بين مواطنيها، من خلال توجيه الاتهامات إلى الصين، بأنها هي سبب انتشار المرض، من أجل أن تخفّف الإدارة الأميركيّة من الضغوط التي عليها، والانتقادات التي يتمّ توجيهها لها بشأن التقاعس في مواجهة أزمة الوباء.
ففي الوقت الذي كشفت فيه الأزمة عن أوجه خلل داخلية فادحة وضعف واضح في إدارة الأزمة من قبل الإدارة الأميركيّة وتراجع بنيتها التحتية للصحة العامة، وعجزها عن تقديم حلول والإصرار على إجهاض دور الأمم المتحدة ووكالاتها المتخصّصة، وفَر الوباء الفرصة للصين للظهور كقوة عالميّة قادرة ليس فقط على اللَحاق بركب التفوّق التكنولوجي الغربي، بل إمكانيّة التقدم عليه والاستخدام الماهر للتكنولوجيا لتأكيد مشروعيّة أنموذج الحوكمة الداخلية في الصين وسلامة مبادئ الحوكمة العالمية التي تدافع عنها في سياستها الخارجيّة.
والواقع أنه يجب النظر إلى التوتر المتصاعد بين واشنطن وبكين ارتباطاً بأزمة (كوفيد19) على أنّه جزء لا يتجزّأ من التنافس الجيوسياسي الممتد بين الجانبين، منذ إعلان إدارة ترامب ــ بموجب استراتيجيتيّ الأمن والدفاع القوميين ــ الصين منافس جيوسياسي، وشنّ حرب تجارية عليها، وتخفي هذه الحرب بدورها المصدر الرئيس للتصعيد الحاصل بين البلدين، والمتمثّل في التفوّق التكنولوجي الصيني في مجال المعلومات والاتصالات، ويدرك الأميركيون ما كشفت عنه إدارة الأزمة حول العالم من أنّ هذا التفوّق التكنولوجي كان عاملاً رئيساً في نجاح بكين في السيطرة على الوباء واحتوائه، وفي خضمّ هذه الحرب العالميّة على الفيروس ضاعفت إدارة ترامب من توظيف أدوات سياسيّة مثل الرقابة على الصادرات وعلى الاستثمارات للصين في محاولة للحفاظ على القدرة التنافسيّة الاقتصاديّة للولايات المتحدة الأميركيّة ومكانتها الجيوسياسية وأمنها القومي.
والمشكلة هنا من منظور الأميركيين الذين يحذّرون من خطورة قدرة الصين المتزايدة على منافسة الولايات المتحدة في هذا المجال أنّ الشركات الأميركيّة الرائدة في مجالات التكنولوجيا تنعم بنشاط واسع في الصين ولديها شراكات لا يستهان بها مع شركات صينية بما فيها مشاريع كبرى، وبالتالي قد يكون من الصعب عليها مساعدة الحكومة الأميركيّة في مواجهة الصعود التكنولوجي والجيوسياسي الصيني.