لا شك بأن توصية اللجنة الاقتصادية مؤخراً بفتح باب القروض، واستئنافها بعد مُضي ثلاثة أشهر على إيقافها لظروف تتعلق باضطرابات سعر الصرف، ومن ثم موافقة السيد رئيس مجلس الوزراء على هذه التوصية، والإعلان عنها في الجلسة الأولى لمجلس الوزراء الجديد الذي بارك هذه الخطوة وربط أهميتها بجوانب إنتاجية ملحّة، غير أن الأهم من هذا كله هو ربطها بتوسيع قاعدة المشاريع المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر.
فهذه المشاريع الصغيرة والمتوسطة لا تأتي أهميتها عبر زيادة الإنتاج فقط، وتحريك عجلة الاقتصاد وتعافيه وانتعاشه، وعلى الرغم من أهمية ذلك، ولكن لتلك المشاريع نكهة مختلفة ولذيذة جداً طال انتظارها.. ومئات آلاف الشباب والصبايا الذين كابدوا من الضياع وتحمّلوا مشقّة الصبر وشدّة الإحباط، وتعطّل العقل عن الإبداع، والجسد عن العطاء، هم على أحرّ من الجمر يتابعون ويترقبون إلى أين سيغدو المآل بهم..؟! فتلك النكهة تتمثّل في صحوةٍ يتحفزون بعدها للانطلاق نحو مشاريع حقيقية تمكنهم من الإنتاج وتحقيق الدخل الذي يُظلّل حياتهم بكثير من الطمأنينة، وهم يخطون بثباتٍ نحو مستقبل يتوقون إليه.
لوحة اللجنة الاقتصادية ومجلس الوزراء تبعثُ في واقع الأمر على الطمأنينة، غير أن الترجمة التي وضعها مصرف سورية المركزي لهذه اللوحة كيف ستكون على الأرض من خلال إيعازه للمصارف بفتح باب القروض العقارية، وتلك التي تستهدف تمويل القطاع الزراعي، وكذلك المشاريع الصغيرة والمتوسطة، هذه الترجمة كانت في الحقيقة فضفاضة جداً، ولم تخصص المشاريع الصغيرة والمتوسطة إلاّ بالاسم، بل على العكس فقد أخضعت قروضها للآلية السابقة التي كان مجلس النقد والتسليف قد اعتمدها، وهذا يعني أن الشروط التعجيزيّة للقرض ما تزال قائمة، حيث شدد المركزي على المصارف للتقيد بالأسس والمعايير والضوابط والإجراءات الاحترازية لتنظيم عملية المنح أو الإقراض ومتابعتها على النحو الأمثل.
وبرّر المركزي ذلك بتنويهه إلى أن الظروف الاقتصادية السائدة والمرحلة المقبلة يتطلبان اتخاذ الإجراءات اللازمة والكفيلة بضمان جودة عمليات المنح وسلامتها من النواحي التنفيذية والرقابية.
في الواقع هذه عبارات فضفاضة جداً، وقابلة للتأويل على أوجهٍ عديدة، وهي بصراحة لا تفيد روّاد أعمال المشاريع الصغيرة ولا المتوسطة، لأن تلك الأسس والمعايير والضوابط والإجراءات الاحترازية التي ستسبق منح القرض، تحمل في طياتها الكثير من العرقلة والشروط التعجيزيّة التي توصل روّاد الأعمال المنتظرين بالنهاية إلى العجز عن التورط بالحصول على القرض لأنه سيكون بالمعايير السابقة عبئاً ثقيلاً على رائد الأعمال – إن حصل عليه – فلا ندري كيف سيخوض المستحيل ليتمكّن من إحضار الضمانات المطلوبة، وهو على الأغلب لن يتمكّن من ذلك، فأغلب روّاد الأعمال لا يمتلكون الضمانات التي تطلبها البنوك، وهم أصلاً لو كانوا مُلاّكاً لمثل تلك الضمانات لما احتاجوا إلى القرض من أساسه.
باختصار .. أغلب رواد الأعمال يحلمون بالحصول على قروض بضمانة مشاريعهم ذاتها، وهذا أمر ممكنٌ ومضمون فيما لو أن البنك يحرّك أدواته ونفسه جيداً ويتابع على الأرض مدى جديّة المشروع، وإن كان جادّاً فهو ضمانة حقيقية، أمّا إن لم يكن كذلك فالبنك معذورٌ عندها في حجب القرض.
على الملأ- علي محمود جديد