اهتم النقّاد على مدى سنوات طِوال بنقد الرواية، والشعر، وظل موقفهم من باقي الأجناس الأدبية محايداً، أو شبه مغيّبٍ، وخاصة فيما يخص (أدب الأطفال) على أهميته، وخصوصيته كجنس أدبي مستقل بذاته، يجمع إليه القصة، والرواية، والشعر، والمسرح، ويضاف إليها جميع الدراما التلفزيونية، والسينمائية.
لقد شجع غياب النقد عن تلك الساحة، أي ساحة كل ما يُكتب للطفل، أقول شجع على اختراقها باستسهال مادامت عدسة الفحص، وعين الرصد لا تتابع، ولا تناقش.. وهذا لا يعني بالطبع عدم وجود كتّاب متمرّسين يتقنون خطاب الطفل، بما يقنعه، ويجعل من القراءة متعة له، لكنهم ظلوا قلة قليلة بين أقرانهم.. وهذا ما أدى بالتالي لأن نصطدم بكمِّ كبير من الإصدارات التي لم تعد تجذب طفل الألفية الثالثة إلى القراءة، وهي عاجزة عن المنافسة مع ما هو متاح على شبكة المعلومات من المُشاهد، والمسموع.
كل هذا وغيره كان سبباً لانغلاق أدب الأطفال على مضامينه، فلم يتطور بالشكل المطلوب، والمتوقع له، وظل يدور في فضاءات الغابة، وموجوداتها، وطرح منظومة القيم التقليدية ذاتها دون أن تضاف إليها قيم جديدة، وكذلك هو الحال مع القصة التي هي أقرب إلى الحكاية منها إلى مقومات القصة، وهي تسود أكثر من غيرها في كتب الأطفال.. إلا أن الأمر الذي يبدو الأكثر وضوحاً في هذا السياق هو قلة تناول الكتّاب للموضوعات المعاصرة، والمستجدة، إن لم تكن ندرة ذلك.
ومادام الطفل يجنح بطبيعة الطفولة إلى عالم الخيال فإن الكتاب الموجه إليه ما لم يرتقِ إلى إطلاق هذا الخيال فإنه سيظل قاصراً، وغير جذّاب للقارئ الصغير بالقدر الكافي، والمطلوب من تحقيق متعة القراءة، والتي ستخلق بدورها تصالحاً مع الكتاب، ثم ارتباطاً به.. وهذا أيضاً عائق من العوائق التي تثبط، ولا تشجع.
وها نحن قد أصبحنا الآن في مواجهة حقيقية مع ما يسمى بأدب الأطفال، وضرورة تطوير خطابه بما ينسجم مع العصر، وخاصة بعد مستجدات طرأت على نظم التعليم في العالم، إذ أصبح يعتمد على التعلم عن بعد أكثر من اعتماده على صفوف المدارس التقليدية، ما دامت الشاشات، والوسائل الرقمية تسعف في وسائل إيضاح هي أكثر جذباً للأطفال، وهم يحبونها، ويستمتعون بالدراسة من خلالها.
أما القصة وهي الأقرب إلى فهم الطفل، والسبيل الأسهل لإيصال فكرة، أو معلومة، واستيعابها بالتالي لهذا فهي تُدرج في المناهج الدراسية لطلبة المرحلتين العمريتين الاولى، والثانية بشكل أكبر مما هي عليه للمرحلة الأكبر عمرياً.. وهي إذ تدخل إلى المنهاج الدراسي فهي لا شك تحتاج لأن تتطور دوماً من منظور جديد تكون فيه مواكبة لعصرها بما يطرأ عليه من تحول، وتغيّر.. وإلى تجديد حقيقي يتناسب في مضمونه، وأسلوبه مع ما استجد على ساحة التعليم في أغلب دول العالم.. وما أصبحت تفرضه الأساليب الحديثة منها، والأحدث وهو التعليم عن بعد، والدخول إلى الرقمية، طالما أن الشاشة قادرة على تأمين وسائل الإيضاح اللازمة، وعلى القيام بالدور التعليمي كاملاً.. وسواء أكنا نتبع هذا الأسلوب الحديث في بلادنا ولو على نطاق ضيق، أو لا نتبعه فإن الحاجة الى القصة الطفلية عموماً، والتعليمية منها على وجه الخصوص التي تتماشى مع مفردات العصر أصبحت ضرورة لنا، ولم تعد اختياراً قابلاً للأخذ، والعطاء.
وما نلحظه اليوم هو تزايد الاهتمام بأدب الطفل بما يؤسس لبداية مرحلة من التفات النقد الأدبي إليه، وخاصة من خلال الرسائل الجامعية في مرحلة الدراسات العليا، وبشكل لافت أيضاً اهتمام أقسام اللغة العربية لدى الجامعات الغربية في محاولة منها لفهمٍ أكبر لواقع الطفل العربي، وما يُقدم له من نتاج فكري.
لعل تطوراً ضرورياً سيطرأ على أدب الأطفال يجعله في مواجهة حقيقية مع أساليبه القديمة ليخرج به من القوالب المرسومة له، والتي ظل حبيساً فيها لوقت طويل.
إضاءات – لينــــــا كيـــــــلاني