الثورة أون لاين – رنا بدري سلوم:
وهكذا تعطف علينا الشاعرة “نصرة ابراهيم” بواو نصوصها، وكأنها تميل نحونا تعدنا بأن لحديثها تتمة، تدعونا لأن نكمل الإصغاء لها بعد التغنّي بهذا الفيض من “الكلام” كسلام العصافير بصوتٍ ذهبي الصدى، فكما دونت في ديوانها ” وهكذا” الصادر عن مؤسسة سين للثقافة والنشر والإعلام عام2019 وهي المجموعة التي حازت على جائزة الإبداع الأدبي ” لسان قلبك قبيلة من كل الأعمار، أنتَ طفلٌ انتهى من اللعب قبل طنينِ الساعةِ في معصم ِ التحليقِ، لا تكن جشعاً واترك بعض اللعب لليرقات التي تنمو”.
تحصد إبراهيم انبهارها بضوء الفجر، فتبهرنا في فلسفة اللغة العربية وهذا ليس بغريب على ابنتها البارة، تجيد تعريب نصوصها ببلاغة واضحة، مختارة مجموعتها باسم نصها “وهكذا” الذي أوردت فيه: ” أشرحُ عن الحالات الشّاذة للهمزة عن تأخير المبتدأ إلى أجلٍ غير مسمَّى عن النَّصبِ الأقوى من قانون الضَّمة عن حروفِ الجرِّ الزَّائدة صلة الوصل المنقُوص الجر بالمجاورة”، فراحت تختصر جمالية المعنى وجذالة اللغة، تحترم حرفها، وتقدم نفسها بحياء الأنثى أمام قارئها فتملأ سلال الأمل بالممكن، لتوقظ في نفس القارئ الحب الجامح والربيع رغم قنوط العيش.
“بقلقِ العنبِ.. وجه العاشق يؤخّر موعدَ الموتِ، في غيمةٍ بيضاء كحليب ناقة النَّبي نرتمي نحضُنُ الخوف تغادرُنا الوصيّة، قصيدةٌ محفورةٌ على نافذةِ المقهى وقميصنا لم يكتمل، أرضٌ.. سوادٌ.. ظلامٌ.. ارقد بسلام المدائح تليقُ بعفويّة الدمعة”.
ثلاثة وثلاثون نصاً يبهر القارئ إن صح الوصف، فيعيد ترتيب رؤيته للحياة حيناً، ويترك الباب مشرعاً حيناً آخر أمام قصد الشاعرة في محاولة البحث عن الخلاص في متاهة الفكر التي أعدته له ، فالشعر بالنسبة لها ” الكم الهائل من المعرفة بشؤون الكون ومنعطفاته أسبابه وفحواه، الذات التي تنحت حباً بالبقاء على باب الله تعدّ يدي شرايينها”.
تتدحرج الحروف بانسيابية أمام الشاعرة “نصرة ابراهيم”، بحرفية عالية تسوقنا إلى عالمها الخاص، إلى ذكرياتها، منبتها، بيئتها، فتشارك العصافير والشجر والحجر عجين روحها، لتقدم لقارئها رغيف نص يشعر بسخونته كلما قضم من حروفه وكأنه لن يبيت ويتكسر أو حتى ينسى لذة هذا النص.
“كنت آنذاك أستمع من أبي لنهج البلاغة، سورة آل عمران عن حمورابي وطائر الفينيق وحكايا جدتي عن الجان والذرة التي أكلتها الخنازير تمسكت بتلك القصص لوقتٍ طويلٍ واستشفيت منها خواطري الأولى كل ما سردته كان محسوساً ملموساً”.
لم تغف عينا الوطن ” راحت تضحكُ في عبِ الوطن، ذاك النهر المغرور برجولته” يصحو كطفل في معظم النصوص ليمسي الحب الوطني والصوفي والوجداني والذاتي، حتى نسيت أن تطفئ الحب كما وصفت، فهي لم تكن كغيرها من” الشعراء الذين يدخلون من الباب الخلفي ويمسكون ذيل المعنى ويجلدون اللغة بسياط النحت ويشمرون عن ثآليل السّاق” فهي لا تحب المطر بغير أوانه، ولا تحب الحب الذي يخشى حرارة لسانها ويقبع تحت وجوم النبأ” ” نصرة ابراهيم” هي حقاً شاعرة الإنسان الذي يضيء الكون من حوله فالفرح في عالمها الأدبي وفير جداً.