ثورة أون لاين:
تطرأ على خريطة العالم تغييرات مستمرة مع مرّ العصور حيث تظهر دول وتختفى أخرى وتنقسم ثالثة لدول عدة، ويتسبّب في هذا المؤثرات الخارجية سواء أكانت جيولوجية أم صراعات سياسية، ومن بينها ما يعرف باسم “جزر الانتعاش”، التي رغم كون اسمها الغريب قد يكون سبباً ليصبح مصدر جذب للسياح إليها، إلا أن هناك سبب آخر لعدم اتخاذ قرار بقضاء الإجازة في هذه الجزر، وذلك كونها لم يعد لها وجود على الخريطة.
وجزر الانتعاش، ليست الوحيدة التي انتهى وجودها على الخريطة، بل ينطبق الأمر ذاته على “كويلومبو دوس بالميرس”، والمنطقة المحايدة “موريسنت”، وذلك في وقت تواجه فيه خريطة العالم تغيرات مستمرة بسبب قوى الجيولوجيا أو الصراعات السياسية، وعلى مرّ العصور، ظهرت العديد من الدول الجديدة، ليتم القضاء عليها بعد بضع سنوات، أو حتى أيام.
وكما يتضح في كتاب جديد بعنوان “أطلس البلدان المنقرضة” للكاتب البريطاني جيدون ديفو، فإن سبب زوالها ليس دائماً نتيجة الدبلوماسية الدولية، وجمع ديفو مصائر 48 دولة منقرضة في كتابه الترفيهي، حيث يشرح بدقة أصول ونتائج كل منها في بضع فقرات بليغة تصور المغامرة والتخطيط وعدم الكفاءة، ويعرض الكاتب أسباب انقراض هذه الدول، التي تتراوح بين المبتذلة إلى الغريبة كلياً.
ورغم أن الكتاب خضع لبحث دقيق، إلا أنه كتب بدافع الدعابة، وهو مستوحى من الحكايات التي جمعها ديفو على مر السنين، وأوضح ديفو، الذي يطلق على نفسه لقب المهووس بالخرائط إن حقيقة تغير الأشكال على الخريطة كانت تحيره عندما كان طفلاً.
وقال ديفو، “اعتقدت أن الأمر أشبه نوعاً ما بمملكة أتلانتس المفقودة، لكن الأمر ليس كذلك، فالقصص وراء اختفاء هذه الأماكن أغرب بكثير”، وعلى سبيل المثال، جمهورية سونورا، وهي منطقة ساحلية كبيرة في المكسيك الحديثة، والتي ظهرت لفترة وجيزة في عام 1853 على يد ويليام والكر، الانتهازي الذي حشد جيشاً من 50 رجلاً لدعم مطالبته، انهارت في نهاية المطاف بعد أن تراجع جيش والكر إلى 30 رجلاً بسبب مرض بعضهم وفرار البعض الآخر، وسار بقية أفراد الجيش مع رئيسهم إلى سجن الولايات المتحدة.
ويقسم ديفو البلدان في الكتاب إلى فئات عدة، وفق ظروفها، فهناك فئة “الدمى وكرات القدم السياسية”، وهناك فئة “الأكاذيب والممالك المفقودة” وفئة “الأخطاء والدويلات”، أما عن جمهورية سونورا قصيرة العمر، فكانت تحت فئة “مخربي الفرص والمجانين”.
وموريسنت المحايدة هي دولة صغيرة أخرى بدأت في الوجود من قبل الدول الكبرى التي قامت بتقسيم الأراضي المتنازع عليها، في نهاية حروب نابليون، ونشأت هذه الدولة عام 1816، وكانت تحتوي على منجم زنك عالق بين بلجيكا وبروسيا.
وفي موريسنت المحايدة لا يمكن الاتفاق على من يجب أن يمتلك قطعة أرض، لذلك ينتهي بهم الأمر بأن يقرروا أنها لا تخصّ أي شخص، ولا أحد يسأل الناس الذين يعيشون هناك عن آرائهم، ونجت المنطقة لأكثر من قرن بقليل، حتى استولت عليها بلجيكا في نهاية الحرب العالمية الأولى، ولفترة من الوقت، كانت موريسنت المحايدة قادرة على الاكتفاء بمواردها من خلال منجم الزنك، وعندما أغلق المنجم، حاولت التنويع في مواردها إلا أنها لم تنجح كثيراً.
وقال ديفو عن موريسنت المحايدة: “إنه لأمر ساحر كيف يحاول هذا البلد إثبات وجوده.. لقد أقاموا معملاً لتقطير النبيذ وأنتجوا طوابعهم الخاصة، لأنهم اعتقدوا أنها ستروق لذوق هواة جمع الطوابع”، وأشار ديفو، إلى أنهم فكروا بأن يصبحوا الدولة الوحيدة الناطقة بلغة “الإسبرانتو” فى العالم.
وتشمل القصص البارزة الأخرى إقامة دولة “خارج الأراضي”، والتي مُنحت لجناح الولادة في مستشفى أوتاوا سيفيك فى عام 1943 حتى تتمكن الأميرة جوليانا من هولندا من ولادة وريث محتمل في مكان ما لا يُصنف على أنه أرض أجنبية.
هناك الكثير من القصص القاتمة فى الكتاب، بما في ذلك ما يسميه ديفو بفئة “درجات الكراهية”، وأوضح ديفو أن “الكثير من الرجال من أصحاب البشرة البيضاء من الفيكتوريين أساؤوا إلى السكان الأصليين”، وتشكلت دولة الكونغو الحرة، عام 1885، وسط إفريقيا من خلال بعض المعاملات التجارية المشبوهة للغاية من قبل ملك بلجيكا ليوبولد الثاني.
وبعد أن تجنب ليوبولد حكومته الديمقراطية، استخدم مشروعاً خاصاً للحصول على مساحات شاسعة من الأرض ثم حوّلها إلى مزرعة مطاط عملاقة أجبر السكان فيها على العمل، ما أدى إلى إنشاء دولة العبودية، ومن المثير للدهشة أنه في الوقت الذي كان فيه توسع الإمبراطورية واستغلالها في ذروته، أثارت الفظائع التي ارتُكبت باسم ليوبولد غضب الدول المجاورة لبلجيكا، ما أجبر حكومته على رفع يدها عن دولة الكونغو الحرة.
ويقول ديفو: إنه بينما اعتاد على استحضار أفكار هزلية وخيالية لروايته، إلا أن الحكايات التي تم جمعها في “أطلس الدول المنقرضة” غالباً ما تكون أكثر غرابة بكثير من رواياته، وأضاف إنه في عالم لا يزال يشهد فيه النزاعات على الحدود والسلطة، فإن هناك المزيد من القصص التي لم تُكتب بعد.