الثورة أون لاين _ لميس علي:
تتمدّد رقعة الجفاف.. يبدو أنها تتكاثر رُقعاً لتغدو نوعاً من تصحّر.
ثمة حالة من تصحّر إنساني وليس تجفافاً عاطفياً ما نحياه..
هل تتغير بوصلة العيش نحو حياة أكثر جفافاً إنسانياً..؟
يتستّر بأكثر من شكل، وبأكثر من هيئة، ربما أرادوا له أن يأتي متنكراً.. “الانعزال”..
ولهذا باتوا يعلون أصواتهم بلازمة “التباعد الاجتماعي”، وزرع مسافة أمان “صحية” بينك وبين المحيطين بك.. مع أهل بيتك.. مع أصدقائك.. وحتى مع محبوبك.
أكثر من ستة أشهر والعالم أجمع يحيا ما يُعرف بالعزل أو بالحجر الصحي مع ممارسة طقوس ما كرّسوه من تباعد اجتماعي..
وللمفارقة تبدو عبارة ضدّية تماماً مع “التواصل الاجتماعي”..
اللافت أنه سيتمّ الهروب من التباعد إلى مزيدٍ من التواصل، لكن تواصل “عن بُعد” وفق طرق منصات السوشل ميديا..
إنه الانعزال الذي يقترب أكثر وأكثر من مفاهيمنا الاجتماعية ومفرداتنا اليومية.
لم نعد نرغب بما يطلق عليه عزلة اختيارية لطالما نمارس دون أن نكون مخيّرين (الانعزال).
تجف طاقات الروح حين ينغمس المرء بما يبعده عن مسببات الحب وتوهج القلب.. لدرجة نتساءل فيها: ما هو الأكثر ضرورةً الصحة النفسية أم الجسدية..؟
كل ما يفرض مجتمعياً في الفترة الأخيرة لمواجهة جائحة صحيّة، يتم لتحقيق سلامة الصحة الجسدية.. لكن ماذا عن النفسية..؟
ألا يتم تهديدها عبر كل ما يشعر به المرء من قلق وخوف، توتّر، توجّس، وإلى ما هنالك من مصطلحات تترافق مع (الانعزال) الصحي الذي يمارس حتى الآن في مختلف بقاع الأرض..؟!
قوقعة الانعزال التي بات الإنسان مجبراً عليه ألا تجعله يجفّ عاطفياً بالتدريج، وبالتالي إنسانياً..؟
لفهم كل ما يجري حولنا بحجة جائحة مرضية مزمنة، بدأ بعض الفلاسفة والباحثين الاجتماعيين المعاصرين بطرح قراءاتهم ورؤاهم للحاصل.. من أوائل هؤلاء كان سلافوي جيجك بكتابه (كوفيد 19 يهزّ العالم)، وإدغار موران في كتابه (تغيير الطريق، دروس فيروس كورونا) الذي يرى أنه “يجب أن يُنظر لجائحة كورونا كقمة تعبير عن أزمة الحداثة الغربية التي ولدت في القرن السادس عشر”..
تدحرجت كرة الأزمة الصحية لتغدو أكبر فتتحول إلى اقتصادية وكذلك اجتماعية.. بما زعزعت من مفاهيم حياتية كالحب والصداقة والتي هي “القيم التي نحن بأمسّ الحاجة إليها كبشر بغض النظر عن وضعنا المادي”.
ويلاحظ موران “لقد نُسيت هشاشتنا وأُخفي ضعفنا تحت وطأة خرافة سيطرة الغرب على الطبيعة… التقدم التكنواقتصادي والمنافسة الحرة والنمو الاقتصادي، عوامل سوّقت كشروط ضامنة للسعادة الاجتماعية”.. ولهذا يصل إلى استنتاج أنها لم تكن سوى وعود كاذبة، وعود السعادة تلك وتأخير الشيخوخة، مؤكداً على ضرورة الاعتراف بتناقضنا وأنه “كلما زادت قوتنا زادت غباوتنا”.
ويتمنى موران أن “يشجع الحجر الصحي على رفع الحجر عن العقول”.. وهو ما يذكر بما رغب به جيجك بأن يتيح انتشار الفيروس الوبائي انتشار فيروس إيديولوجي يشجع على التفكير.