الثورة أون لاين – رنا بدري سلوم:
يعبرُ “عبد اللطيف ابراهيم” مع قرائه في مجموعة ” حقائق ” في نفق الحياة المظلم هكذا يهيأ لنا ونحن نقرأ قصصاً قصيرة جداً بطريقته الحكائية المشبعة بالمعنى، وبلغة استعارية مفعمة بالترميز والإيجاز والإيحاء، “مصلحة” التهم حباً للشجاعة، انتفض أعلن الانتماء للوطنيين، باع ضميره، اشترى خريطة وطن”.
ولا يمكننا ونحن نكمل القراءة حتى نمتلأ بالشحنة الانفعالية والتي تكون صادمة في نهاية الحكايات، ” تطعيم” لم يكن يحبُ المعارك، جرّعوه بعضَ الدماء.. أقسم بأن يعتزل التمثيل.
لم ترسم مجموعة” حقائق” التي عددها فوق المئة قصة قصيرة جداً الآلام التي تكبّل الإنسان فحسب، بل كان بعضها يصف بدقة مواقف حياتية مضحكة نعيشها لنجمّلها كي نتقبل حقيقة وجودها، برأي وببراعة المحترف استجاب “عبد اللطيف ابراهيم” إلى التحولات المعاصرة السريعة فجمع بين الخاطرة والموعظة والنكتة في قصصه القصيرة جداً، “هوية” وضعت الذبابة بعض الكريم تحت إبطيها، حلّقت مسرعةً، أغلقت أنفها الخنفساء وقالت: لو وضعتِ عطور الكون وأقمتِ بين الزهور لن أناديك إلا باسمك”. والسخرية ” لكاعة” كلما أعدّ العدة ليذهبَ للحربِ تقنعه زوجته، بالعدول، كلما جاؤوا بشهيد للقرية ازداد إصراراً لخوض المعارك، قرر مناقشة زوجته بالوعي والمنطق. قال لها: لم تمنعيني من الذهاب ؟ قالت ثلاثةٌ من أقاربي ذهبوا وعادوا بزوجات. “اقتصاد” سرق كبلَ الهاتف، جعله منشراً لم ينشف غسيله القذر.. تلصص الناسُ عليهِ.. قدم عذره: لا حرارة في الخط.
ففي الفحوى العام للقصص هناك اضمحلال الإنسان واقعياً وأخلاقياً ووجدانياً أيضاً، فكان بعضها مطعماً بالخاطرة على ما أعتقد “غيرة” تجاهلت حضوره، رقصت مع الغيم، استأذن من السماء احتضن القمر، “موعد” قال للشمس أرجوك أن تبقي هذا الليل معنا قالت: لا أستطيع هناك من ينتظر إشراقي.
في حين تكشف الكثير من القصص ستار الخداع الإنساني، عقيدة” خطفوه من أرض المعركة، وشى بأبيه، ازدادوا تعذيباً له، وشى بأمه، حرقوا أصابعه، سلمهم زوجته، كسروا عظامه، أبى أن يخون الوطن.
تتميز القصص القصيرة جداً في “حقائق” بإبراز خاصية السخرية وهو ما يروق للقارئ ، إضافة إلى عنصري التكثيف والإدهاش في قصصه، وهما الصفتان المتلازمتان في نوع القصص القصيرة جداً وهو ما يميزها عن غيرها من الفنون ، “قطيعة” قلم أظفاره، طار الظفرُ بسرعة سهمٍ خرج من قوسه، دخل في عين زوجته، سقطت من يدها طنجرة العدس المغلي، احترقت قدمُ الطفلة، تصالح مع جاره عندما أسعفهم.
“حقائق أم منمنمات صانع ماهر؟ ” بتساؤله قدّم الكاتب والزميل رياض طبرة مجموعة ” حقائق” طباعة “آس” للنشر، فاحتفى بإنجاز وإبداع القاص عبد اللطيف ابراهيم الذي اختار موضوعاته بعناية فائقة وموفقة يريد من خلالها أن يفصّل الواقع على مقاسِ أحلامه خالياً من كل عيب ومع هذا لا يحبذ تجميله، فيخرجنا من النفق الذي نعيش فيه آسفين ببصيص أمل وابتسامة في ثغر الآلام.