إفتتاحية الثورة – بقلم رئيس التحرير – علي نصر الله:
“كورونا، فيروسُ الصين! هو الطاعون الذي أَطلقته الصين! على الأمم المتحدة أن تُحاسب الصين، وعلينا أن نُحاسب الصين، إنّ الصين تُدمر البيئة وتَنتهك الاتفاقيات التجارية” .. إلى آخره من اتهامات شَيطانية وجهها دونالد ترامب لبكين في كلمته أمام الاجتماعات السنوية للأمم المتحدة، لا لمُحاولة شَيطنة الصين فقط، بل للاستغراق في الدفاع عن الذات الشيطانية المُعتملة في شخص ترامب وإدارته، وفي صميم سياسات البلطجة والهيمنة الأميركية!.
تَركيز ترامب على الصين، تَكرار ذكرها في سياق الهجوم عليها، لا يَدع مجالاً للشك من أنه شخصياً- إدارته والحكومة العميقة يُعاني فوبيا تَفوق الصين ويَخشى المستقبل، وهو الأمر الذي دفع واشنطن ربما لإعادة تقييم سياساتها وتَزخيمها ولإعادة صياغة عَقيدتها القتالية انسجاماً مع مُحددات تَعريفها الجديد للعدو، فضلاً عن إعادة رسم الأولويات وتَحديد الوُجهة سواء لناحية مُواجهة التهديدات المَزعومة أم لجهة إعادة النظر بخطط نشر قواتها وقواعدها حول العالم.
إنّ كل ما ساقه ترامب ضد الصين هو مُجرد أكاذيب مَكشوفة هدفها التشويه والتضليل، بدءاً من المَزاعم المُتصلة بفيروس كورونا وانتشاره، مروراً بالانتهاكات التجارية المزعومة، وليس انتهاء بالتلفيقات الخاصة بمَقادير التلوث المَنسوبة للصين مُقارنة مع مَثيلاتها الأميركية والغربية كمصدر إساءة للبيئة.
قد تكون مهمة الرد على كذب ونفاق ترامب هي الأكثر سهولة ليس على الصين وإنما على أيّ مُتابع، ذلك أنه إذا كان فيروس كورونا ما زال لغزاً ضاعت بمَتاهته منظمة الصحة العالمية وأوقعَها بتناقضات جمّة، فإنّ الانسحاب الأميركي من اتفاقيتي باريس وكيوتو للمناخ يُعري ترامب، فيما تتكفل العقوبات الأميركية التجارية أحادية الجانب المَفروضة على الحلفاء قبل الخصوم بفضح ادعاءاته عن آخرها، جُملة وتَفصيلاً!.
خطابُ ترامب أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة بدورتها الحالية ( 75 ) قد يُشكل علامة فارقة في مُستويات البَلطجة التي بلغها قياساً بما سبقه من خطابات قدّمها أسلافه، غير أنه الامتداد الطبيعي لخطاب أميركي فَوقي مُتعجرف، مَملوء بالكذب يَطفح بالتزوير، وغير مَسبوق بالتهديد والاستعلاء والفجور.
2,5 تريليون دولار أُنفقت على تطوير وتسليح الجيش الأميركي خلال الأربع سنوات الماضية، يقول ترامب مُفاخراً بذلك مُسجلاً أضخم وأكبر إنفاق عسكري في التاريخ، وليَنتهي إلى القول بأنه بات الجيش الأعظم حجماً، الأقوى في العالم، بل ليس هناك حتى ما هو قريب منه في إشارة وقحة لما يَمتلكه من أسلحة مُتقدمة لم تُفكر أميركا بامتلاكها من قبل، يُصلي ترامب كي لا يَضطر لاستخدامها!.
أيّ عنجهية تلك التي تَملأ الرؤوس الحامية في واشنطن؟ من يُبردها؟ بل كيف لها أن تَفتر بينما يَتوفر لها عملاء وأشباه رجال يَستبدون بشعوبهم، يَرضخون لكل أمر أميركي، ومهما بَلغت قذارته، يُسابقون الزمن لتَنفيذه، يَتسابقون لأداء ما يُطلب منهم كأدوات رخيصة لا تَرفض دوراً تافهاً أو سافلاً، وتُؤديه مهما كان مُنحطاً؟!.
لا شك أنّ الصين وروسيا وقوى دولية مُتعددة تتحمل مسؤولية كُبرى في ردع الولايات المتحدة وبمحاولة تَبريد رؤوسها الحامية التي إذا كانت تَصعد إلى سقوف النفاق والكذب والتطاول والعربدة الحالية، كرد فعل على عُزلتها وفقدانها القُدرة السياسية، فإنها ستكون على مَوعد حتمي مع مَزيد من العُزلة والعجز كناتج طبيعي لحماقاتها.
بينما تتواصل حفلات الكذب والمجون الأميركية في أثناء السباق إلى البيت الأبيض، ووسط تَضاعف أوهام فرنسا وأخواتها السعودية ومَشيخات الخليج المُطبّعة مع الصهاينة المُستسلمة لطبائع الخيانة التي فُطرت عليها، يَنبغي على هذه الأطراف مُجتمعة مُراقبة الوضع بالمنطقة لتَرى بأم العين أيّ مَصائر تنتظر مشاريعها العدوانية العبثية من بعد دحر الدواعش ومُشتقاتهم، ومن بعد تَمزيق مُخططات الحرب والفدرلة الأساسيّة منها، والبَديلة!.