الثورة أون لاين- ترجمة حسن حسن:
” القوى العظمى تُعرف من حروبها” مقال للبروفيسور الأميركي ستيفن والت من جامعة هارفارد يقول فيها إن توضيح السياسة الخارجية لقوة عظمى هي مسألة تعود للاختصاصيين في مجال السياسة الدولية، وبين أن الحروب الكبرى لها تأثيرات قوية ودائمة على السياسة الخارجية أو العسكرية للأمة.
وأوضح البروفيسور والت أن الحروب هي أحداث مؤثرة ناجمة عن سلوك هذه القوة العظمى بغض النظر عن قدراتها وأسلوب حكمها وقيادتها، وأضاف أن” أولئك الذين يقاتلون في هذه الحروب يتميزون بالخبرة،وأن الدروس المستفادة تحفر عميقاً في الذاكرة الجماعية للشعوب، وتبقى خبرة الحروب راسخة في صميم أغلبية الهويات القومية، وإذا ما أردنا أن نفهم السياسة الخارجية لقوة عظمى، فإن نقطة الانطلاق تبدأ من النظر إلى الحروب الكبرى التي خاضتها “.
ألم يبق راسخاً في ذاكرة برلين المؤلمة أن العثمانيين كانوا حلفاء ألمانيا في الحربين العالميتين الأولى والثانية في حين كانت بمنأى عن القوى الأوروبية الأخرى؟.
من جانب آخر، لنأخذ روسيا وتركيا، فروسيا خاضت مع الإمبراطورية العثمانية سلسلة من الحروب وصلت إلى اثنتي عشر حرباً ما بين القرنين السابع عشر والقرن العشرين، وتعتبر واحدة من أطول الحروب العسكرية في تاريخ أوروبا والتي كانت نهايتها كارثية على الدولة العثمانية حيث الأفول والتفكك .
حاربت روسيا العثمانيين في مراحل مختلفة، وغالباً ما حاربتهم بالتحالف مع القوى الأوروبية الأخرى، ومن المهم هنا أن نلاحظ أن هذه الحروب ساهمت في لفت النظر إلى صعود روسيا كقوة أوروبية ولاسيما بعد جهود التحديث التي بذلها بطرس الأكبر في مطلع القرن الثامن عشر في حين ارتسمت روسيا في ذاكرة الأتراك كقوة لعبت دوراً تاريخياً في إضعاف الإمبراطورية العثمانية في أوروبا الوسطى وفي البلقان وما وراء القوقاز.
خلال الحرب العالمية الأولى وبمساعدة الألمان توسع العثمانيون حتى وصلوا إلى باكو(عاصمة أذربيجان الحالية), لكنهم ما لبثوا أن انسحبوا منها، وذلك لعدم قدرتهم على المضي بعيداً إلا أن الفوضى والبلبلة التي سادت ما بعد الحرب مكن الأتراك من احتلال منطقة كارز.
في عام1991 وبعد انهيار الاتحاد السوفييتي السابق، عندما حصل القوقاز على استقلاله على شكل دول كجورجيا وأرمينيا وأذربيجان، وبسبب التاريخ الدموي بين روسيا وتركيا كان إقليم” ريتز” الواقع في الجزء الشرقي من منطقة البحر الأسود في تركيا (حيث نشأ اردوغان وترعرع) كان مسرحاً لمعركة بين الجيوش العثمانية والروسية خلال الحملة في القوقاز في الحرب العالمية الأولى، فدخلتها القوات الروسية ما بين عامي 1916 -1918، ليستعيدها العثمانيون لاحقاً وذلك بفضل معاهدة بريست ليتوفيسك عام 1918، ومن ثم استرد الاتحاد السوفييتي “ريتز” عام 1921.
وسط هذا التدفق التاريخي ثمة خاصية مثيرة للاهتمام وهي أنه ومنذ عصر الإمبراطورية الرومانية، والقوقاز عموماً منطقة حدودية بين القسطنطينية (استنبول حالياً) وبلاد فارس، هذه المناطق كانت تنتقل من إمبراطورية إلى أخرى، وأنظمة الحكم فيها كانت تحصل على درجات مختلفة من الاستقلال وغالباً ما كانت تابعة لهذه الإمبراطورية أو تلك.
في مقالته اقتبس والت جملة قالها الروائي الأميركي وليم فولكنر تقول:” الماضي لا يموت أبداً، ولن يبقى ماضياً” والواقع بالنسبة لروسيا وتركيا أو إيران أن التطورات الراهنة في ما وراء القوقاز ساهمت باستشعار جماعي واسع للخطر وخلقت لديهم مفاهيم البطولة والتضحية لا بل ساهمت في بناء هويتهم القومية.
في الحقيقة فإن تطور المشهد الراهن للموقف حول تركيا يتحدث عن نفسه: فألمانيا أعربت عن تعاطفها مع تركيا واقترحت عليها شراكة قوية، أما فرنسا فنددت بتركيا وهي تسعى جاهدة لعقوبات من الاتحاد الأوروبي ضدها، كما أن فرنسا تؤكد أن أنقرة أرسلت إرهابيين إلى ناغورنو كراباخ، بالمقابل تتحاشى ألمانيا غضب تركيا على خلفية أزمة اللاجئين التي لامست أوروبا، وفرنسا تنسق مع روسيا على أعلى مستوى وتمارسان ضغوطاً على تركيا بخصوص ناغورنو كراباخ , وينضم حلف شمال الأطلسي والولايات المتحدة إلى روسيا ونداء فرنسا التي تطالب بوقف المعارك في ما وراء القوقاز، بينما تحافظ إيران على حيادها وتقترح بذل جهود مشتركة مع تركيا وروسيا لحل النزاع.
في تلك الأثناء حسمت روسيا ترددها ودخلت الساحة إلى جانب أرمينيا معربة عن قلقها الشديد من التورط التركي بالاعتداءات وجلب وحدات مسلحة غير شرعية قادمة من الشرق الأوسط ” و يتضح ذلك من خلال انتقادات الدعم التركي لأذربيجان، كما أشار الرئيس بوتين أنه مع موقف مشترك من قبل رؤساء مجموعة مينسك التي تضم روسيا وفرنسا والولايات المتحدة.
من المهم أن نلاحظ أن الرئيس التركي قد شد الانتباه صراحة إلى السياق الإقليمي والجيوسياسي الواسع الذي تتحرك من خلاله القوى العظمى وتنسق سراً لتطويق تركيا حسب زعمه، وقد صرح أردوغان في 2 تشرين الأولبالقول:” إذا ما أعدنا قراءة الأزمة القائمة في القوقاز وسورية والمتوسط، سنرى أن الأمر له علاقة بتطويق تركيا “.
ولا نحتاج إلى كثير براعة لنعرف هوية القوى الخارجية التي تفكر وتسعى “لتطويق” تركيا –فرنسا والولايات المتحدة واليونان (وكل قوى حلف شمال الأطلسي) وكذلك روسيا التي شكلت نكبة على الإمبراطورية العثمانية.
عن”ريزو انترناسيونال