لم يعد مهماً إن سمينا ما يحدث بالفاجعة أو الكارثة أو ربما مصيبة المصائب، فالأمر سيان بعد أن حل ما حل، وبعد أن أكلت النيران كل ما جاء في طريقها من زرع وضرع وغيرها، فبخلال ساعات قليلة طالت ألسنة النار المشتعلة نتاج عقود طويلة، وجهود مئات الأسر والعائلات، وحولتها إلى رماد تذروه رياح الفشل والتقصير والتأخر في المعالجة.
ونقول إنه لم يعد مهماً، ليس لأن الأمر عابر أو أنه غير مؤثر أو لأننا غير مكترثين بما يحصل، وإنما المهم الآن أن نضع أنفسنا أمام بحث آخر، يبدأ من السؤال عن مكامن الضعف في كل ما حصل، عن التأخير في إنجاز المشاريع التي كانت مقررة وخاصة مشاريع السدود والسدات المائية والمسيلات والخزانات الاحتياطية، ولماذا بقي الحديث عن الاستفادة من الأمطار الساحلية، حديثاً عابراً، علماً أنها تهطل بغزارات عالية كل عام وتذهب إلى البحر دون أن يكترث بها أحد، ودون أن تلفت نظر المعنيين بإقامة خزانات تجميعية كبيرة في السفوح العصية أو في رؤوس الجبال.
وكذلك الطرق الزراعية داخل الغابات وخطوط النار التي كان يجب أن تكون من أولى الأساسيات في حماية غاباتنا وثروتنا الحراجية، وكذلك الأشجار المثمرة سواء الزيتون أو الحمضيات أو التفاحيات أو غيرها..
هذه المصيبة أو الكارثة أو الفاجعة التي لا تزال تستعر نيرانها حتى الآن في سفوح جبالنا الخضراء البكر، كان يمكن درؤها وربما التقليل من خطورتها، بتأمين المزيد من الآليات الزراعية وعربات الإطفاء والمعدات التي يجب أن تبقى موجودة في أكثر من موقع في تلك الغابات لتكون جاهزة في حالات الخطر، ولتقطع الطريق على النيران التي اتصلت ببعضها بعضاً اليوم ما بين السفوح والوديان، لتحولها إلى منطقة منكوبة بعد أن هددت منازل المواطنين الآمنين في بعض القرى البعيدة التي طالتها ألسن اللهب، وأجبرتهم على النزوح.
هذا الدمار الكبير الذي لحق بالغطاء الحراجي، ومهما كانت الأسباب التي أدت إليه إن كان بفعل فاعل كما يرجح الكثيرون، أو كان بسبب إهمال الفلاحين وعدم إزالة الأعشاب اليابسة، أو إلقاء أعقاب السجائر أو غير ذلك، فالواجب اليوم أن تتداعى كل الجهات وتأخذ هذا الأمر بكل جدية ومسؤولية في قادم الأيام، حتى لا نبقى نتكبد الخسارة تلو الأخرى، نتيجة قلة الاهتمام وعدم توفير أسباب الوقاية والحماية لها.
وإن كان موسم القمح قد مني هذا العام بمزيد من الخسائر نتيجة الحرائق الآثمة التي طالت الأراضي الزراعية، كذلك اليوم قد خسرنا مواسم الزيتون والحمضيات ولسنوات قادمة، وليس فقط لهذا الموسم لأن الأشجار وإن أعيد تجديدها فلن تعطي مواسم قبل خمسة أعوام.
حديث الناس- محمود ديبو