اكتسحت الحرائق التي ضربت المنطقة الساحلية مساحات كبيرة من الغابات البكر والمشجرة والأراضي الزراعية ، و أثرت العوامل الطبيعية وخاصة اشتداد الهواء الجاف ووعورة المناطق وافتقاد الوسائل الحديثة على الجهود الكبيرة التي بذلتها الجهات المعنية بمساندة الجيش العربي السوري والمجتمع الأهلي وحالت دون إطفاء الحرائق الكبيرة.
المستجد هذا العام هو العدد الكبير للحرائق و التهديد الخطير الذي شكلته على السكان والأراضي الزراعية والمنشآت المدنية، الأمر الذي شتت عمل رجال الإطفاء والجهات المساندة لهم، حيث تركزت جهودهم على حماية المدنيين والتجمعات السكنية والقرى بالدرجة الأولى، ما أدى إلى التهام النيران للغابات التي تعد الرئة الأساسية لسورية.
المواكبة الحكومية لهذه الحالة الطارئة تخطت الإمكانيات المتوافرة لدى الجهات المعنية بشكل مباشر بإخماد الحرائق إلى زج كل طاقات المؤسسات والأهالي لتطويق ومحاصرة الحرائق، ولولا هذا الحشد لكانت الخسائر البشرية والمادية أكبر بكثير مما هي عليه حتى الآن .
إن هذه الحرائق وقبلها التي اجتاحت السلسلة الجبلية المطلة على سهل الغاب بحماة كشفت القصور الكبير في استراتيجية مكافحة الحرائق من جهتي التخطيط والإجراءات الوقائية، وتوفير المعدات والتجهيزات والآلات الميكانيكية، لدى الجهات الأساسية المعنية وخاصة وزارة الزراعة والمديرية العامة للحراج، ووزارة الإدارة المحلية والبيئة.
وهذا القصور امتد أيضاً إلى العلاقة بين الجهات المعنية والمجتمع الأهلي الذي يعد من أهم العوامل الأساسية للحفاظ على الغطاء النباتي، حيث تفتقر الخطط المتبعة لبناء هذه الثقة إلى الحالة التفاعلية وأحياناً المصلحة المشتركة، الأمر الذي يجب استدراكه عبر العودة إلى المزارعين وخاصة الذين لديهم ملكيات مجاورة للغابات وبناء شراكة حقيقية تحقق مصلحة الطرفين بما يجنب أولاً امتداد عواقب أي نشاط زراعي إلى الغابات وفي نفس الوقت إنشاء مناطق (فصل أمان) بين الغابات والمناطق الزراعية والسكنية تجنب امتداد الحرائق من كلا الجهتين .
إن هذه الشراكة يجب إن تمتد أيضاً إلى آليات استثمار الغابات حيث من غير المقبول حصر هذا الأمر بالجانب المادي ويجب ان تكون الأولوية في الاستفادة من الغابات للمجتمع المحلي الذي يحميها وليس للمستفيدين أو التجار الذين لا هم لهم إلا الربح وعند وقوع أي طارئ يتهربون من المسؤولية.
من المعلوم أن العقود الثلاثة الأخيرة شهدت تغيرات مناخية واضحة وخاصة ارتفاع درجات الحرارة والتأخر في هطول الأمطار وانخفاض نسب الرطوبة وغيرها من العوامل المرتبطة بالتغيرات المناخية بمجملها زادت نسبة الجفاف وساعدت في نشوب الحرائق وصعوبة إطفائها، و يضاف إلى ذلك إفرازات الحرب ومنها عدم استبعاد الجانب التخريبي لفلول الإرهابيين والجانب الإجرامي للانتهازيين والخارجين على القانون في تدمير الغطاء النباتي وهو ما يفرض على وزارتي الزراعة والإدارة المحلية والبيئة إعادة النظر بكل استراتيجياتهما وتطويرها لتستجيب للتحديات الطبيعية والبشرية الجديدة .
لقد كان العجز غالباً على دور بعض السلطات المحلية في إخماد الحرائق وهذا يعود في الأساس لأن كوادرها المعنية بهذه المسؤولية غير مدربة أو غير قادرة على القيام بهذا العمل لأسباب كثيرة وفي مقدمتها قلة الكادر البشري وندرة الأدوات التقليدية والميكانيكية لإطفاء الحرائق، فليس كافياً أن تكون لدينا مديرية تعنى بالحراج على مستوى الوطن وإنما أن تكون مجهزة أيضاً بالوسائل والأدوات للقيام بدورها في حماية الغابات ومتابعة تنميتها والحفاظ عليها واستثمارها على النحو الأفضل.
لقد تطورت على المستوى العالمي والإقليمي خطط و أدوات الإطفاء بشكل كبير جداً، ولكن لم تواكب الحكومات المتعاقبة ذلك في رفد مؤسساتها بهذه الوسائل الحديثة لأسباب كثيرة جزء منها مرتبط بقصور الاستراتيجيات وعدم تطويرها وبتقصير الجهات المعنية والجزء الآخر بأولويات الدولة في الدفاع عن الوطن بمواجهة هذه الحرب الإرهابية التي استهدفت كل مقومات الحياة ومنها الغابات واستمرار هذا الواقع يهدد بفقدان الغطاء النباتي، فلم يعد ممكناً في ظل الظروف المناخية المستجدة الاكتفاء بأدوات الإطفاء التقليدية، ويجب إدخال كل الإمكانيات الحديثة المتخصصة بإخماد الحرائق بما فيها الطائرات والاستفادة من التجارب في بناء المصدات النارية طرق النار في الأماكن الوعرة لتسهيل عمل فرق الإطفاء وتعزيز فرص جهودهم من حيث السرعة والإمكانية .
تعاني سورية في الأساس من محدودية الغابات بالنسبة لمساحتها وبالتالي يجب العمل وتسخير كل الإمكانيات لحماية الغطاء النباتي وهذا يستدعي من الحكومة العمل سريعا لتفادي القصور ومعالجة التقصير ووضع استراتيجية جديدة تكفل إنجاح جهود رجال الإطفاء والمجتمع المحلي في حماية هذا القطاع الاستراتيجي للدولة .
معاً على الطريق- أحمد ضوا