الثورة أون لاين – د.مازن سليم خضور:
ضمن سلسلة “الحرب الأخرى” والتي نقدم من خلالها في “الثورة أون لاين”.. طرحاً أكاديميا لواقع المنظومة الاجتماعية في سورية وأدوات ضربها من البوابة الاقتصادية والأخلاقية والاجتماعية.. نتحدث اليوم عن ظاهرة انتشرت بشكل كبير في سنوات الحرب بين الشباب السوري و هي : تجارة وإدمان المواد المخدرة.
حيث یعرّف الإدمان : ” على أنه الاستمرارية والمداومة على استهلاك أو تعاطي مواد معینة أو القیام بنشاطات معینة لمدة طویلة بقصد الدخول في حالة من النشوة أو استبعاد الحزن والاكتئاب”.
وترتبط مشكلة الإدمان بالمعاییر والقيم الاجتماعیة، وتشكل مظهراً أو شكلاً من أشكال عدم التكیف والانسحاب وغالبا ما یفسر الإدمان على أنه محصلة ضغوط المجتمع كالفقر والإحباطات والقوى المدمرة وعدم الرضى والفراغ ورفاق السوء.
ومن أهم أنواع الإدمان عند الشباب السوري إدمان المخدرات التي تعد حاليًّا من أكبر المشكلات التي تعانيها سورية لما لها من أضرار جسيمة على النواحي الصحية والاجتماعية والاقتصادية والأمنية.
وبالرغم من غياب الاحصائيات الدقيقة للمتعاطين إلا أن الأعداد في تزايد بين الشباب وطلاب الجامعات والمدارس وهذه الظاهرة دخيلة على المجتمع السوري، فقد كانت سورية سابقاً خالية من المخدرات تقريبا حسب التصريحات الرسمية وكانت بلد عبور فقط، وفي الوقت الحالي كشفت المصادر أن مادة الحشيش والحبوب المنشطة هي الأكثر تداولاً بين الشباب السوري مؤخراً ، بسبب الحرب الإرهابية التي تتعرض لها البلاد والتي تسببت في تهريب المخدرات إلى داخل سورية.
يمكن أن يبدأ إدمان المخدرات بما يسمى التعاطي التجريبي لمخدر على سبيل التسلية إلى أن يصبح التعاطي أكثر تكراراً ، فيما يبدأ إدمان المخدرات عند البعض من خلال بعض العقاقير الطبية مثل المسكنات الأفيونية والتي تتسبب في الإدمان بسرعة أكبر من غيرها ومع مرور الوقت، يصبح الفرد بحاجة إلى جرعات أكبر و يصبح هناك صعوبة في الاستمرار من دونه .
وللإدمان أسباب مختلفة، البعض أرجعها إلى اضطرابات الصحة العقلية مثل الاكتئاب و نقص الانتباه وفرط الحركة أو اضطراب ضغط ما بعد الصدمة و قد يكون وسيلة للتأقلم مع المشاعر المؤلمة، مثل القلق والوحدة، كذلك ضغط الأصدقاء عامل مهم في الإدمان خاصة بالنسبة للشباب الصغير، ولا ننسى العوامل الاجتماعية وغياب الرقابة المجتمعية ولاسيما في فترات الحروب والأزمات و ضعف سلطة القانون والوضع الاقتصادي السيئ، وفي بعض الأحيان الترف الاقتصادي يساعد وبقوة على الإدمان وهناك دور كبير لوسائل الإعلام في نشر ثقافة الإدمان .
تختلف أنواع المخدرات وأشكالها حسب طريقة تصنيفها، فبعضها يصنف على أساس تأثيرها، وبعضها الآخر يصنف على أساس طرق إنتاجها أو حسب لونها، وربما بحسب الاعتماد (الإدمان) النفسي والعضوي.
وفقًا لتقديرات المكتب الأممي المعني بالمخدرات والجريمة لعام 2020، فإن هناك حوالي 269 مليون شخص تعاطوا المخدرات خلال عام 2018 – ما يشكل قفزة بنسبة 30 في المائة من عام 2009.
وقالت المديرة التنفيذية لمكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة إن “الفئات الضعيفة والمهمشة والشباب والنساء والفقراء يدفعون ثمن مشكلة المخدِّرات العالمية ” هذا على المستوى العالمي أما في سورية ومع الحرب التي نعيشها منذ العام 2011 إلى اليوم وما رافقها من ظروف اجتماعية واقتصادية وأمنية عوامل دفعت إلى زيادة عدد المدمنين على المواد المخدرة لاسيما في فئة الشباب إلا أنه وفي ظل غياب إحصائيات دقيقة عن عدد المتعاطين أو مدى انتشار هذه الظاهرة فإنه لا يكاد يمر يوم دون إعلان فرع مكافحة المخدرات عن القبض على مروجي مخدرات في مختلف المناطق السورية، وهذه عينة عما نشرته وزارة الداخلية السورية عبر صفحتها الرسميه خلال الفترة الماضية فقط عن عمليات إلقاء القبض على تجار ومتعاطي المواد المخدرة :
– فرع مكافحة المخدرات في دمشق يلقي القبض على ثلاثة أشخاص ويصادر (24) كغ من مادة الحشيش المخدر .
– إدارة مكافحة المخدرات تلقي القبض على أحد أخطر تجار ومروجي المواد المخدرة في محافظة ريف دمشق.
– قسم شرطة حماه الخارجي يلقي القبض على مروجي مخدرات ويضبط (2000)حبة كبتاغون مخدرة.
– حلب – ضبط شحنة مخدرات وإلقاء القبض على المتورطين.
– فرع مكافحة المخدرات في دمشق يلقي القبض على مروج مخدرات ويصادر (12) كغ من مادة الحشيش المخدر.
– فرع مكافحة المخدرات في طرطوس يلقي القبض على مروج مخدرات ويصادر أكثر من (5) كغ من مادة الحشيش المخدر.
من خلال ماتم عرضه نرى أن مصادرة كميات من المواد المخدرة في مختلف المحافظات السورية، علما أنه وفي تصريحات إعلامية أكد المعنيون أنه وبالرغم من انتشار ظاهرة تعاطي و ترويج المخدرات موخراً ، إلا أن سورية مازالت تعتبر بلد عبور أي لا يوجد إنتاج أو زراعة للمخدرات فيها ، لكن الموقع جعل منها ممراً إجبارياً بين دول الإنتاج ودول الاستهلاك.
علماً أنه في القانون السوري لاسيما بموجب قانون المخدرات “رقم 2 لعام 1993” ينظر للمتعاطي أو للمدمن على المخدرات أنه شخص مريض بحاجة للعلاج فهو ضحية لهذه الآفة، وفي نفس الوقت النظرة الإنسانية للمتعاطي يقابلها نظرة تشديد بالعقوبات بالنسبة للتاجر أو للمروج في “المادة 70” من القانون ذاته، كما يتضمن القانون “أنه يصدر بمرسوم ، نظام خاص للمكافآت التي تمنح لكل من وَجَد أو أرشد أو أخبر أو ساهم أو سهل أو اشترك في ضبط مواد مخدرة”.
في ظل ماتم ذكره دائماً معرفة الأسباب والمسببات من شأنه تقديم أرضية علمية كالعادة لتقديم مروحة من الحلول، فالوقوف كما ذكرنا على أن الأسباب الكامنة وراء ظاهرة معينة يقود دائما إلى تشخيص المعضلة بشكل صحيح وبالتالي إيجاد الحلول المناسبة في العلاج والحد من هذه الظاهرة، وعن الحلول التي نتحدث عنها لابد من التركيز على دور وسائل الاعلام والتربية المدرسية والبيئية للإحاطة بهذه الآفة الخطيرة ومكافحتها والتأكيد على خطورة الأثر السلبي للإعلام ببث مسلسلات تظهر بعض النجوم كتاجر مخدرات يمتازون بشخصية جذابة ، فضلًا عن السلطة، هي صورة باتت شائعة، يتم استخدامها وترسيخها في أذهان المشاهدين .
ومن المقترحات يمكن إدراج معاهد ومراكز الأحداث الجانحين ضمن الخطط الموضوعة في مجال مكافحة المخدرات والتركيز على الجانب التوعوي أي الوقائي أما من الناحية العلاجية تفعيل ماتم إقراره في قانون المخدرات في المادة “المادة71” التي تحث على أن تنشئ الوزارة المصحات لمعالجة المدمنين على المواد المخدرة، و المادة “72” تحث ايضاً على إنشاء وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل مؤسسة لرعاية الأشخاص الذين يتقرر الإفراج عنهم من المصحة عند حاجتهم لذلك”.
و يمكن أيضاً الإضاءة على أهمية دراسة إمكانية قيام وزارة التعليم العالي والبحث العلمي بإحداث دبلوم أو درجة ماجستير متخصص في الوقاية من الإدمان في كليات علم الاجتماع والتربية والطب البشري و تشجيع البحوث العلمية المتعلقة بها من حيث انتشارها و أسباب تعاطيها و طرق الوقاية منها والعمل على نشر هذه البحوث لتصل الى كل شرائح المجتمع