الثورة أون لاين – ترجمة ميساء وسوف:
يعتبر موضوع حقوق الإنسان من أكثر الأمور المهمة التي يتم تسييسها وتشويهها في الولايات المتحدة، فعلى مدى الجيلين الماضيين قامت الطبقة السياسية الأميركية وقنواتها في وسائل الإعلام المشتركة باستخدام حقوق الإنسان لخدمة أجندتها العدوانية.
والمعروف أنّ المنظمات غير الحكومية، مثل منظمة حقوق الإنسان ومنظمة العفو الدولية، تميل إلى تركيز الكثير من وقتها على صياغة روايات حقوق الإنسان على مسائل ذات أهمية بالغة وعلى مقاس وزارة الخارجية الأميركية، فقد أدانت مثل هذه المنظمات، وبأمر من أميركا، مجموعة من البلدان مثل سورية ونيكاراغوا وفنزويلا وغيرها الكثير بسبب انتهاكات مزعومة لحقوق الإنسان، كما تم أيضاً ومنذ عام 2018 استهداف الصين لنفس الأسباب.
فالولايات المتحدة تتهم الصين باحتجاز ملايين الأويغور المقيمين في شينجيانغ في “معسكرات اعتقال”، حسب زعمها، مع أنّ الجميع يعلم أن مصادر هذه الادعاءات بعيدة كل البعد عن المصداقية، فالمصدر الرئيسي لكل المعلومات التي تتعلق بإقليم شينجيانغ هو أدريان زينز، وهو خبير متخصص في تشويه الحقائق وتلفيق الشائعات حول منطقة شينجيانغ الأويغورية ذات الحكم الذاتي في الصين.
كما لا يخفى على أحد أن شبكة الصينيين المدافعين عن حقوق الإنسان والمسؤولة عن الدراسة والتي أجرت حوالي ثماني مقابلات لاستخلاص استنتاجات حول اعتقال الأويغور الجماعي قد تمّ تمويلها من قبل الصندوق الوطني للديمقراطية (NED)، وهي منظمة مرتبطة بوكالة المخابرات المركزية الأميركية(CIA)، كما أن معهد السياسة الاستراتيجية الأسترالي (ASPI) الذي يتولى حالياً مهمة تلفيق الأكاذيب عن الصين بشأن قضايا حقوق الإنسان، تتم رعايته من قبل متعاقدين عسكريين مثل لوكهيد مارتن ورايثيون.
إن الاهتمام الأساسي لمؤسسات مثل “ASPI” ليس لها صلة بقضايا حقوق الإنسان، وإنما هدفها هو خلق وإشعال الحروب الطويلة الأمد من أجل خدمة مصانع الأسلحة الأميركية، وهذا بالضبط ما حققه انتشار قضية “اضطهاد الأويغور”، مع الاعتماد كلياً على التكهنات وصور الأقمار الصناعية الكاذبة وشهادات مجموعات الأويغور في المنفى والتي يموّلها الصندوق الوطني للديمقراطية NED.
إنّ الادعاءات الكاذبة بأن الصين تحتجز ملايين المسلمين في المعسكرات قد لعب دوراً مهماً في حشد الدعم العام في الولايات المتحدة من أجل حرب باردة جديدة ضد الصين، فقد استخدمت الولايات المتحدة رواية حقوق الإنسان الأويغورية لفرض عقوبات على الشركات ومسؤولي الحزب الشيوعي الصيني في إقليم شينجيانغ.
وعندما يتّهم المسؤولون الأميركيون دولًا أخرى بانتهاك حقوق الإنسان، فإن ما يأتي بعد ذلك يكون دائماً أسوأ بكثير من المزاعم، إذ اتّهمت وكالة الاستخبارات الأميركية بعد أحداث 11 أيلول، الرئيس العراقي صدام حسين بتخزين أسلحة دمار شامل والتي ثبت فيما بعد أنّها غير موجودة أصلاً، وبناءّ على الاتهامات الكاذبة قامت الولايات المتحدة بغزو واحتلال العراق عام 2003 وقد تسببت الحرب بمقتل أكثر من مليون مدني عراقي.
وفي عام 2011 تمّ اتّهام الرئيس الليبي معمر القذافي بأنه “يقتل شعبه” حسب زعم الولايات المتحدة، وعليه تمّ قصف ليبيا لأكثر من ستة أشهر من قبل الناتو وكان ذلك لحماية المجموعات الإرهابية فيها.
أمّا في سورية فقد تمّ اتهام الحكومة السورية مراراّ وتكراراً باستخدام الأسلحة الكيماوية، وتمّ إغراق سورية في حرب لا نهاية لها مع كل من الولايات المتحدة وحلفائها الدوليين والإقليميين، وقد خلفت هذه الحرب مئات الآلاف من الضحايا، ونزوح الملايين، وقام الجيش الأميركي باحتلال الأراضي السورية الغنية بالنفط والمياه.
ويوجد الكثير من الأمثلة التي توضح بما لا يدعو للشك، أن الولايات المتحدة تعتبر في مقدمة الدول التي تنتهك حقوق الإنسان في كل أنحاء العالم.
ومع ذلك، يبدو من المهم ملاحظة أن الطريقة التي تتصرف بها الولايات المتحدة في خارج حدودها هي انعكاس لعدد لا يحصى من الطرق التي تنتهك بها حقوق الإنسان للأشخاص الذين يعيشون داخل الولايات المتحدة نفسها.
إنّ أشخاصاً مثل بريونا تايلور، وجورج فلويد، وساندرا بلاند، ومايكل براون، هم مجرد أمثلة قليلة من مئات الأمثلة على الأميركيين السود الذين تمّ قتلهم على أيدي ضباط الشرطة دون أي محاسبة للقتلة، ففي الولايات المتحدة يُقتل ما يقرب من 1000 شخص على أيدي ضباط الشرطة كل عام ولأسباب عنصرية، وتوجد وثائق تؤكد وجود أكثر من مليوني شخص في السجون الأميركية وأنّ ما يقرب من ثلاثة أرباع هؤلاء السجناء هم من السود أو اللاتينيين أو الأميركيين الأصليين.
إنّ السجون في الولايات المتحدة تضمّ ربع مجموع السجناء في العالم، ويحتجز حوالي 80 ألفاً من هؤلاء السجناء في السجون الانفرادية، وقد أعلنت الأمم المتحدة أن السجن الانفرادي يعتبر شكلاً من أشكال التعذيب، حيث تشير الأبحاث إلى أنّه يرتبط ارتباطاً مباشراً بمجموعة من الأمراض النفسية، من الذُّهان إلى الانتحار.
كما يتسبب الحبس الانفرادي أيضاً في تلف بنيوي دائم للدماغ، والفئة المستهدفة بالحبس الانفرادي في الولايات المتحدة هي الجماعات العرقية على وجه التحديد، حيث إن أكثر من أربعين في المئة من هؤلاء السجناء هم من الأميركيين ذوي البشرة السوداء.
على مدى العقود الماضية، اتهمت الولايات المتحدة دولاً مثل الصين بأنها تتبع “سياسة خاطئة” في تشكيل أسس سياستها الداخلية والخارجية، واتّهم السياسيون الأميركيون الصين “بقمع حرية التعبير”، مع العلم أنّ الولايات المتحدة هي التي تمتلك أكبر برنامج مراقبة في وكالة الأمن القومي الأميركي، كما أنها هي من حاول تسليم ” جوليان أسانج” لقيامه بنشر وثائق تتعلق بجرائم الحرب الأميركية، كما أنّها اتُهمت الصين أيضاً بأنها تقوم بالتطهير العرقي للأقليات، لكنّ المسؤولين الأميركيين فشلوا في توثيق هذه الاتهامات أو إيجاد البراهين على صحتها.
وقامت الإيكونوميست باتّهام الصين باستخدام حملة” التخفيف من الفقر” من أجل تأسيس الولاء للحزب الشيوعي الصيني، وكان يتعيّن عليها أولاً استدعاء جو بايدن أو دونالد ترامب لتجاهلهم احتياجات أربعين في المئة من الشعب الأميركي الذين ليس لديهم دخل.
إذاً، يتم اتّهام الصين بشكل روتيني ومستمر بامتلاك سياسة خارجية “عدوانية” من قبل صنّاع السياسة وقادة الفكر نفسهم الذين أبقوا الولايات المتحدة في حالة حرب لأكثر من مئتي عام من وجودها.
لقد خلقت أيديولوجية” الاستثناء الأميركي” الوهم بأنه من حق الولايات المتحدة أن تحتكر قضية حقوق الإنسان لنفسها فقط، وحسب هذه الأيديولوجية فالولايات المتحدة هي وحدها” النموذج” الذي ينبغي اتباعه من قبل الدول والشعوب في جميع أنحاء العالم، ولكن ومع كل ذلك، فقد ولّت الأيام التي اضطر فيها العالم إلى الانحناء أمام الولايات المتحدة، وقد أصبحت معظم دول العالم تعي تماماً أن الولايات المتحدة هي أكبر تهديد للسلام العالمي وأكبر منتهك لحقوق الإنسان، والدليل على ذلك هو سجلها الحافل بالحروب التي أشعلتها في معظم دول العالم.
المصدر American Herald Tribune