الملحق الثقافي:هنادة الحصري:
سؤال يطرح نفسه: هل قامت الأسرة بدورها التوعوي في مواجهة هذا الطوفان الإعلامي الهابط إلينا من سماء مفتوحة بلا رقيب أو حسيب؟ لا أظن، لأن الذي وصلنا إليه هو في مباركتنا لهذا الطوفان الذي تسلل إلى كل الفئات العمرية، فبات المسير والموجه للأسف، وانتهى بذلك الدور الأسري تماماً.
في كتابة “عصر الخبث” يرى الكاتب أوروك أن الانحدار الشديد الذي تسير إليه المجتمعات الغربية بدأ بموجة الانفلات التي عمّت هذه المجتمعات في ستينات القرن الماضي يقول: “ومنذ ذلك الحين ونحن نسير من سيئ إلى أسوأ”. في ندوة حوارية حول الدراما التلفزيونية كان هناك مخرج وباحث يتحاوران حول أحقية الدراما بالخوض في أمراض اجتماعية مهمة. كانت حجة المخرج أن وظيفة الدراما هي تسليط الضوء على الأخطاء حتى يصار إلى حلها، بينما ارتأى الباحث أنه لا ضرورة لذلك، يكفي دور الإعلام والتوجيه والإرشاد لمعالجة هذه الأخطاء دون إدخال الإثارة الجنسية وما تؤول إليه حال مراهقينا الذين يتابعون هذه المسلسلات بشغف بالغ.
ثمة نقطة على درجة عالية من الأهمية وهي رواج المسلسلات الأجنبية. صحيح أن تلاقح الحضارات وتبادل الإرث المعرفي بين المجتمعات ضروري لأنه يخلق أجواء تعاون ثقافية ومعرفية وتجارية وصناعية. وهنا لا ننسى دور الإعلام الهام في تبادل الثقافات ونشر العلوم والتعرف على مناطق سياحية لم يشاهدها المتلقي قبلاً. ولكن لا بد من التركيز على الواقع الذي قدمته تلك المسلسلات، إذ كانت هناك علاقة مفتوحة بين الرجل والمرأة وعلاقات أسرية لا تتوافق مع أمتنا؛ حيث ما زالت السلطة الأبوية تفرض حضورها وبشكل كبير..إلخ. ان استقطاب هذا الكم الهائل من المشاهدين لا بد سيؤثر على توجهات مجتمعاتنا؛ حيث أرجع الكثيرون هذا الاستقطاب للفقر العاطفي الذي يعاني منه الشرق، ناهيك عن قلة الوعي الذي تتمتع به هذه الفئات العمرية. هذا كله سينجح في برمجة عصبية لأبنائنا وبناتنا عن طريق هذه الدراما، فسيوجهون إلى ذلك في المستقبل ويصدمون بواقعهم، وبالأفكار التي وصلت اليهم، فيكون هناك نوع من الضياع ثم الإحباط.
نقطة أخرى: في حال هذا الهوس بكل ما يقوم به الأبطال، سيكون هناك نوع من التقليد الأعمى في لباس الأبطال وتسريحتهم، وهذا يتنافى مع الإبداع ومع تنمية الشخصية, إذا علمنا كم للفن من تأثير لا يجارى على الإنسان وأحاسيسه وأفكاره. يوضح الأديب حنا عبود في بحثه “القانون الأساسي للأدب” قانوناً هو صناعة السمو. وأن السمة الأدبية تتراخى كلما ابتعد الأديب عن هذا الاتجاه، وعلى هذا لا يجوز أن يؤيد ما يقرب الإنسان من الواقع المرفوض، بل عليه أن يعمل على الارتفاع من الواقعية إلى الإنسانية المثالية، وهذه مشكلة كبيرة كانت الغلبة فيها للواقعية على القيم الأدبية في كل العصور تقريباً. هنا أتساءل: هل دور التوعية الاجتماعية والحوار المتبادل بين الأهل كفيل بجعل هذه المسلسلات بعد انتهائها تمضي لحالها، أم أننا بحاجة إلى اختصاصيين تربويين ونفسيين وقانونيين في علاج هكذا ضيوف على أبنائنا.. وبناتنا؟
التاريخ: الثلاثاء20-10-2020
رقم العدد :1017