الثورة أون لاين-منهل إبراهيم:
هل ينقذ “غول المفاجآت” دونالد ترامب من حماقاته.. الأمر يبدو على عكس ذلك فكل خيار اتخذه ترامب مؤخرا يقود نحو نهاية واحدة وهي الهزيمة السياسية والأخلاقية وربما العسكرية.
صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية نشرت مقالا يسلط الضوء على تدهور احتمالات فوز دونالد ترامب بالانتخابات المقبلة، والتي تتراوح بين 10 و15 بالمئة، وما إذا كان ذلك يدفعه نحو “الاستسلام”.
واعتبر المقال أن فوز ترامب في 3 تشرين الثاني سيعزى معجزة… وقارن بين رسائل ترامب في هذه الجولة، ونظيراتها قبل انتخابات 2016. ففي الجولة السابقة، كانت حملة ترامب فوضوية تخللتها كوارث ذاتية الصنع، ولكن رسالته ضد هيلاري كلينتون، وضد المؤسسة الجمهورية خلال الانتخابات التمهيدية، كانت بسيطة ومتسقة: فهي (كلينتون) تدعم الصفقات السيئة وتدعم الحروب الغبية وباعت البلد لذوي المصالح الخاصة والحكومات الأجنبية وإن انتخبتموها فستكون النتيجة المزيد من المصانع المغلقة والمزيد من الجنود الموتى والمعوقين والمزيد من الهجرة غير الشرعية والمزيد من السلطة لوول ستريت وواشنطن.
وفي 2020، في المقابل، أصبحت حملة ترامب عالقة تقفز بين سرديتين مختلفتين. إحداهما تسعى لإعادة الحملة السابقة مصورة جو بايدن على أنه تجسيد للمؤسسة الفاشلة (بالإشارة إلى 47 عاما في واشنطن) التي ستبيع المصالح الأمريكية للصين بمجرد وصوله للسلطة..
والسردية الأخرى هي مهاجمة بايدن من خلال مهاجمة الديمقراطيين وكأنهم رشحوا بيرني ساندرز، حيث تصر حملة ترامب على أن تقدم بايدن في السن يجعله إناء باليا لليسار الراديكالي، مجرد غطاء لإيصال ليس فقط كامالا هاريس بل أيضا أليكساندريا أوكازيو كورتيز و”أنتيفا” إلى سدة الحكم.
وربما كان بإمكان شخص متمرس في الحملات الانتخابية أن ينسج السرديتين معا، ولكن على لسان دونالد ترامب فإن تناقضهما واضح. وعدم الترابط الناتج يغذي ميله للعودة إلى ضغائنه القديمة والمظالم التي يشكو منها على الإنترنت وكأنه يتنافس على رئاسة برنامج حوار على الراديو أو تويتر.
وبدون “ستيف بانون” ليبقيه واقعيا أو كلينتون لتبقيه مركزا فإن خطابه النهائي لا يمكن تمييزه عن أسلوب تسويق لبرنامج تلفزيوني أو نشرة – وهو ما يشير بشكل أكبر من قبل أربع سنوات، إلى أن الرئيس يفترض أنه سيعمل في تجارة الإعلام بمجرد ظهور نتائج الانتخابات.
وفشل الرسائل ليس سوى مجرد السطح، بحسب المقال، فمن ناحية السياسة بدا ترامب وكأنه لاعب بلاك سوكس يحاول رمي الطابة في سلسلة الألعاب العالمية (فضيحة بلاك سوكس 1919 حيث قام 8 لاعبين من فريق وايت سوكس بتعمد خسارة اللعبة مقابل أموال من مجموعة مقامرين).
ويوضح المقال أن هنالك قضيتين مهمتين بالنسبة للناخب في هذه الانتخابات: الجائحة والاقتصاد. تعامل ترامب مع الجائحة رديء، أما سجله الاقتصادي فهو جيد بسبب نسبة البطالة المتدنية قبل فيروس كورونا إضافة إلى المساعدات التي قدمتها الحكومة للناس لمساعدتهم خلال الجائحة.
ويشير السياق إلى استراتيجية للحملة خلال الخريف: ضخ أموال المساعدات في الاقتصاد، ومحاولة حمل الجائحة محمل الجد والوعد بأن استخدام الكمامات وأموال المساعدات سيكون الجسر إلى لقاح وعودة الحياة إلى طبيعتها عام 2021.
وبدلا من ذلك، فقد انتهى الأمر بترامب بمقاربة معاكسة. فقد أهمل معظم الوقت المفاوضات حول أموال المساعدات لأشهر، وتفاعل معها فقط عندما أصبح ضعيفا سياسيا لدرجة افترض فيها كل من (صقور الجمهوريين)، المهتمين بالعجز المالي، والديمقراطيين المسرفين في الإنفاق، بأنه سيذهب بعد فترة قصيرة.
كما أنه سمح لنفسه بأن يجر بشكل أكبر – وخاصة بعد إصابته بالمرض – إلى المنطق الليبرتاري المتناقض بشأن كوفيد-19 والذي يقول إننا ربما نبالغ في التوصيف وفي رد الفعل وربما وصلنا تقريبا إلى مناعة القطيع على أي حال.
وهناك تناقض معتدل يطرح نقاطا مهمة: مقاربة الإغلاق غير مستدامة ولا يمكن فرضها ثانية، ويجب إبقاء المدارس الابتدائية لأن مخاطر انتشار المرض بسببها تبدو قليلة جدا وأن الفيروس أقل فتكا مما ورد في التقديرات الأسوأ التي افترضت ابتداء، وأن الوفيات كنسبة من الحالات تراجعت مع توفر علاج أفضل.
ولكن يستمر الكشف عن أخطاء هذه الأطروحات، فأولا أثبت الشهران الماضيان أن مناعة القطيع هدف متحرك، يمكن تحققه مبدئيا في ظروف التباعد الاجتماعي، ولكن مع تراخي الناس وبدئهم في النشاط الاجتماعي مرة ثانية تتغير العتبة وفجأة يحصل ارتفاع مفاجئ في الإصابات. هذا ما حصل في أنحاء أوروبا، التي خففت من معدلات الإصابة في أواخر الربيع وعادت إلى حياة طبيعية بشكل أكبر خلال الصيف – ثم خرجت موجة جديدة في أوائل الخريف عن السيطرة، بما في ذلك بلدان مثل بلجيكا التي تأثرت بشكل كبير في المرة الأولى.
ولأن الفحوص تكشف عن حالات أقل حدة، فإنه لا يعني أن الفيروس توقف عن قتل الناس. فقد يتكرر الارتفاع المفاجئ للحالات وتتأخر الوفيات، وعندها يتحدث المتناقضون عن أن الفيروس “نظري” – وبعد عدة أسابيع، تبدأ الوفيات.
حصل هذا في أمريكا خلال الصيف وحصل في أوروبا الشهر الماضي وهو الآن على وشك أن يحصل هنا ثانية، فالحالات بدأت بالتزايد منذ بداية أيلول/ سبتمبر، وارتفع عدد الحالات التي أدخلت المستشفى على مدى عدة أسابيع ومع أن الوفيات ثابتة لحد الآن (بمعدل 711 أمريكيا في اليوم)، فإن من المحتمل أنها سترتفع ثانية مع وصولنا إلى تشرين ثاني.
وهذا يعني أن ترامب اختار الذهاب للحرب مع فكرة الفحص مع الدكتور أنتوني فاوتشي و”الخبراء” بشكل عام في اللحظة التي بدأت فيها موجة خريفية بالظهور، كما حذروا – وهو نفس الوقت الذي سيذهب فيه ثلثا الأمريكان الذين يصفون أنفسهم بأنهم قلقون “نوعا ما” أو قلقون “جدا” بشأن الفيروس، إلى صناديق الاقتراع.
وكقرار سياسي فإن هذا أسوأ تصرف من ترامب منذ دفعه خلال الربيع نحو الإسراع في رفع قيود الإغلاق. وأزمة أوروبا المتجددة تظهر أن الفشل الغربي في احتواء الفيروس أكثر من كونه مجرد مشكلة لترامب – ولكن في المحصلة فإن حالة الإنكار لترامب قد تتسبب بموت آلاف وربما مئات آلاف الأمريكيين دون داع.
أما من ناحية سياسية، فما هو أسوأ من الرسائل المختلطة بشأن بايدن والفرص المهدرة في الإنفاق على الإغاثة، هو أن التراجع إلى الحد من انتشار كورونا يشكل دراسة حالة مناسبة لكيفية إضاعة ترامب في 2020 أكبر ميزة انتخابية أوصلته للحكم عام 2016 – ابتعاده النسبي عن الجمود الفكري لليمين المعادي للمنظومة – وحشر نفسه في صندوق صغير مع المتملقين والمهلوسين.
وقد تنقذ ترامب معجزة من هذه الحماقات، بحسب المقال، ولكن كل خيار اتخذه مؤخرا يقود نحو نهاية واحدة وهي الهزيمة بكل ما تعني من معان ودلالات.