الثورة أون لاين – علي الأحمد:
– تجمع ما بين الموسيقتين الفنية التقليدية العالمية، والشعبية المتآصلة بروح الشعب وحكمته قواسم إبداعية مشتركة وهي كما هو معلوم، سمات مشتركة نجدها في كافة الموسيقات المشرقية، التي انضوت جميعها ضمن مرجعية موسيقية واحدة بالرغم من اختلاف اللهجات والتقاليد والأنماط وطرق الأداء والممارسة.
– تتمثل أولى هذه القواسم الابداعية بروح المقام الموسيقي وتأثيراته العميقة في النفس البشرية، في مجالات التلقي والإدراك الجمالي، وكما هو معلوم فإن هذا التأثير له علاقة بالنسب الرياضية التي تعتمد بشكل أساس على ترتيب أبعاد المقام ترتيباً خاصاً يختلف بطبيعة الحال من مقام لآخر، هذه الأبعاد الرياضية جاءت بعد دراسات وبحوث وارتحالات معرفية مستفيضة، لفلاسفة وحكماء وعلماء على مدى قرون طويلة، تأطرت ضمن ما عُرف حينها بالعلوم الرياضية الشهيرة أو كما كانت تسمى “بالرابوع الرياضي ” أي الحساب والهندسة والفلك والموسيقا” بغية تفسير وفهم الكون وأسراره العميقة، وقراءة دواخل الإنسان قراءة باطنية تلتمس مواجعه وآماله، هذا يفسر كيف تم لاحقاً تصنيف هذه المقامات حسب الأوقات والشهور والأزمنة المختلفة، وكل منها يترك أثراً مختلفاً ومغايراً في النفس البشرية وفي تذوق وإدراك الجمال الموسيقي، هذه المنظومة المقامية تركت أثراً مهماً وعظيماً في تخصيب وإثراء هاتين الموسيقتين تعبيرياً وذوقياً وجمالياً، بالاشتراك مع المنظومة الإيقاعية الغنية هي أيضاً بالعوالم التعبيرية والتصويرية، صحيح هنا أن هذه السمات المشتركة توحدت كما هو معلوم ضمن أنساق ومرجعية واحدة في المجال اللحني، الذي بقي كما هو معلوم “مونودي” الطابع، إلا أن تنوع وغنى هاتين المنظومتين ساعد الملحن العربي والمؤلف الموسيقي في التماس عوالم تعبيرية وتصويرية، انطلاقاً من التأثيرات المذهلة التي تولدها السلالم الموسيقية وتفرعاتها النغمية الكثيرة، ولا ننسى الأداء الموسيقي المتطور الذي تزينه تلك الزخارف اللحنية التي تمثل عنصراً بارزاً في اللحن الموسيقي العربي أو الاسلامي على العموم. تقول الباحثة الدكتورة “سمحة الخولي ” حول هذا الجانب المهم في موسيقانا العربية: إن الزخارف في تراثنا الموسيقي تمثل قيمة جمالية أصيلة، فهي ليست ذواقاً خارجياً يُقحم على اللحن، بل هي جزء حيوي من الفكر اللحني وهو الذي يضفي على الموسيقا العربية صفات خاصة تعد من مميزاتها الفنية البارزة.
– وكما نرى فإن الموسيقي العربي في الموسيقا الفنية العالمية، استفاد من دون أدنى شك من الذخر الإبداعي العظيم الذي تنعم به الموسيقا الشعبية ببساطة ألحانها وثيماتها التعبيرية المذهلة في عملية تجديد معرفي للتعبير الموسيقي على أسس علمية تستلهم كما قلنا آنفاً هذا الذخر الناجز في كتابة موسيقا عربية حداثية تستند إلى مرجعية واحدة وإطار تلحيني منفتح على تقانات العصر لكنه متجذر في تربة هذا الفن الأصيل الذي يبقى بالرغم من كل الظروف والنكبات التي مر ويمر بها رافداً مهماً من روافد الإبداع في الهوية الثقافية العربية.