الملحق الثقافي:هنادة الحصري:
لن نختلف أن القرن الحادي والعشرين شهد تطوراً كبيراً في تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، ولكن للأسف رافقه تطور هائل في مفهوم الإعلام، انعكس على الواقع المر وذلك بالإرهاب والعنف المادي المنظم الذي جند ضد دول معينة عن طريق أدوات وأشكال ومخططات وضعت خصيصاً لتحقيق مآرب عدوانية، اختصرها الإعلام بالسعة في الانتشار وتغلغل الأهداف والتنسيق عن طريق شبكات الاتصال، دون حاجة إلى اجتماعات ولقاءات، اللهم إلا إذا استطاع أحد ما من خبراء التكنولوجيا فك الرموز والشيفرات، وهذا قليل بشكل عام.
هذا ما يقودنا إلى أن هذا الواقع شكّل إعلاماً إرهابياً يتنقل بسرعة عبر تقنياته الإلكترونية لبث وترويج مفاهيم وبرامج ومنظومات، ويقال إنه بقدر ما تتطور التكنولوجيات، بقدر ما تتسع شبكات الإرهاب. وهذا ما رسخ الاعتقاد بأن إرهاب القرن الحادي والعشرين سيكون إرهاباً عن بعد بامتياز.
على هذا فإن الدول والأنظمة المستخدمة لشبكات الاتصال والإعلام تطورت بشكل كبير، فلم تكتف فقط شبكة الإنترنت التي يتم تبادل الرسائل عبرها، بل عمدت إلى استصدار الحرية الكامنة بالشبكة إياها لالتقاط الرسائل والتجسس على الأفراد والجماعات، سواء توفرت المعلومات الصحيحة أو لمجرد الشائعات.
ولم يكن هذا المتبع فقط في البلدان الأوروبية وأمريكا، إنما وصل إلى بعض الدول والحكومات العربية والإسلامية، فاعتمد منهج التضييق على الأفراد والجماعات من اعتقال للصحفيين وإغلاق لمحطات التلفزيون وتدمير مواقع الإنترنت.. وهذا بالمعنى الواضح إرهاب الأيديولوجيا المعممة.
ولعل الأمر الأكثر إيلاماً أن تكون هذه المواقع تسعى لتسويق الخوف وتعميم الرعب وإشاعة الفتنة والتمرير لعقيدة أو منهج من أجل التحضير لأشياء أكبر من أن يستوعبها العقل العربي البسيط. وهذا في حده إعلام إرهابي منظم. والملاحظ أن إنشاء إذاعات ومجلات وفضائيات ليس الهدف من ورائه نشر قيم الحرية أو الديمقراطية أو التسامح، بقدر ما يهدف إلى استفزاز المشاعر ونفي الحق في الاختلاف والحقد على الآخر وقطع جسور التواصل وبث الخطابات التكفيرية، وتبني سياسة العنف والفوضى وتزييف الحقائق وتبيان السلبيات والتهويل الإعلامي. وهذا هو الإرهاب الإعلامي الذي يخبئ السم بداخله، فتصبح كل الأمور بالمحصلة فضائل على حد عقيدة الموقع الذي يسوّق لها.
لهذا وكله أضحى واضحاً اضمحلال مفاهيم الحق والقانون وسيطرة إعلام إرهابي، تدعمه نظم المخابرات وتشكله أنظمة اتصالات مدروسة، تفوق كل الأهداف التي خطط لها قبل الثورة المعلوماتية. ومخطئ من يظن أننا قادرون على المواجهة بغير الثقافة والتربية والقدرة على صنع حراك فكري، يبدأ من الأسرة إلى المدرسة، فحالة الثقافة التي تغذي أبناءنا هي فعل تربوي توعوي ينطلق من جدلية الخصب التي تتضافر لتواجه هذا العدوان الإعلامي، وهنا علينا أن نتساءل: أين قانون مكافحة الإرهاب الفكري، وإذا كان لا يعمل، فلماذا تضعه الحكومات؟ وما هي خطتها أمام هذا الإرهاب الإلكتروني الذي يجتاح عالمنا بشكل مرعب؟ ألسنا بحاجة إلى تجنيد إعلام عربي يواجه هذا الإعلام؟!
التاريخ: الثلاثاء3-11-2020
رقم العدد :1019