الملحق الثقافي:سلام الفاضل :
إن التقدم العلمي الذي حصل في النصف الثاني من القرن العشرين، وما رافقه من تراكم معرفي، زاد من حجم العلوم والمعارف بكميات هائلة تدعو إلى الدهشة وإعادة النظر في المخزون الثقافي/ التربوي من جوانبه المختلفة.
وكانت النقلة الكبرى في وسائل الإعلام تلك التي استخدمت فيها وسائل الاتصال الإلكترونية التي أعطت دفعة قوية لبلوغ عصر الاتصال الجماهيري بكل ما يمتاز به من سرعة الانتشار، وفاعلية التأثير.
ولعل ما شهده العالم في الأشهر القليلة الفائتة من طغيان فايروس مرضي (كوفيد – 19) أجبر انتشارُه الملايينَ من البشر التزامَ منازلهم اتقاءَ الإصابة، كرّس حضور هذه الوسائل التقنية الحديثة، وأشاع استخدامها بشكل كبير سواء في ميدان الثقافة، أو التربية، حيث ارتفعت، بناءً على الإحصاءات التي قامت بها العديد من مراكز الأبحاث والدراسات، أعدادُ الباحثين عن الكتب الإلكترونية، وزادت نسبة تحميل هذه الكتب عن الشبكة العنكبوتية بدرجة كبيرة، كما أن بعض الجامعات والمدارس في العديد من دول العالم توجهت نحو ما يُعرف بالتعليم الإلكتروني، أو التعليم عن بعد، واختلفت صيغ التواصل بين البشر من التواصل المرئي الواقعي إلى التواصل الافتراضي الإلكتروني، وسعت معظم الجهات إلى تحسين إعلامها الإلكتروني، ورفع سويته بغية الوصل إلى أكبر عدد من المتابعين في أرجاء المعمورة. إذاً أسهمت هذه الأمور وسواها في زيادة الاهتمام بوسائل الاتصال الحديثة، والتقانات التكنولوجية المعاصرة، وانخرطت الجهات جميعها في إيجاد الوسائل الكفيلة بدمج التكنولوجيا الحديثة بمجالات الإعلام والتربية والثقافة.
أهمية الإعلام الإلكتروني
يمكن تعريف الإعلام الإلكتروني على أنه إعلام من نوع جديد، يتميز عن التقليدي في كونه يعتمد على وسيلة جديدة من وسائل الإعلام الحديثة، وهي الدمج بين وسائل الاتصال التقليدية كلها، بهدف إيصال المضمونات المطلوبة بأشكال متميزة، وطرق أكثر تأثيراً.
وتتجلى أهمية هذا النوع من الإعلام في كونه يختصر الوقت والجهد، ويعمل على تيسير الوصول إلى مصادر المعلومات بأقل التكاليف، وأكثر الفوائد، كما أنه يسعى إلى إتاحة الفرص المناسبة للتعرّف إلى إنجازات الشعوب الأخرى وحضاراتها، عبر تسريع عملية التفاعل الثقافي وتوسيعها. إلى جانب ما يحققه هذا النوع من الإعلام في تحويل المعلومات والبيانات من شكل إلى آخر، كتحويل الكتاب الإلكتروني إلى كتاب مطبوع، أو تحويل مقالة مطبوعة في صحيفة أو مجلة، إلى مقالة إلكترونية.
وبذلك يمكن تمييز هذه الوسائل الحديثة في التواصل والإعلام بخصائص متعددة تجعلها أكثر تأثيراً في عمليات الاتصال الإنساني، ومنها: التفاعلية، والتنوّع، والحركية والتكاملية، وتجاوز الحدود الثقافية والزمانية والمكانية.
الشبكة العنكبوتية والتعليم
لقد أحدثت شبكة الإنترنت نقلة مهمة في آليات التعلّم والتعليم، فهي تعمل على توفير الخدمات الإلكترونية بصورة أسرع وتكلفة أقل، ودفعت هذه المكاسب إلى إعادة النظر في فلسفة العمل التربوي ومناهجه وآلياته، وسعت إلى دمج قواعد المعلومات التربوية وتكاملها. كما أنها عملت على تطوير نظام الإدارة التربوية والمدرسية، وإيجاد علاقة جديدة بين العاملين في الحقل التربوي، فيما بينهم من جهة، وبينهم وبين الشركاء التربويين والمستفيدين من الخدمات التربوية من جهة أخرى.
ومن هذا المنطلق يؤكد العديد من الباحثين أن شبكة الإنترنت سوف تؤدي دوراً كبيراً في تغيير الطرائق التعليمية/ التقليدية/ المتعارف عليها، إذ إن العملية التربوية سوف تسير في اتجاه معاكس، فبدلاً من ذهاب المتعلّم إلى المدرسة، ستأتي المدرسة إليه، حيث ستعمد هذه التكنولوجيات المتطورة إلى إنشاء قاعات للتدريس، وستكون طريقة التعليم والتعلّم مختلفة تماماً عن الطريقة التقليدية، كما في التعليم الافتراضي مثلاً.
ويرى بعض الباحثين أن الطريقة الإلكترونية في التعليم قد تكون أكثر استخداماً في المناهج الدراسية التي يغلب على محتواها أساليب العروض التوضيحية، وذات الطابع التخييلي، ولكن هذه الطريقة يمكن تكييفها للأقسام العلمية، وقد تكون مناسبة لبعض الدول النامية التي تفتقر إلى عاملي (الكم والنوع) في الأطر التعليمية.
من جهة أخرى سهّل البريد الإلكتروني أساليب التواصل بين المعلمين والمتعلمين، بحيث أصبح وسيطاً يمكن من خلاله إرسال الوظائف الدراسية أو الأنشطة الموازية، أو تقديم الأسئلة وتلقي الردود عليها، كما يسرت الشبكة العنكبويتة بدورها لطلبة الجامعات التسجيل في المقررات الدراسية، أو تقديم الامتحانات غير المباشرة وتلقي نتائج الامتحانية، وسوى ذلك من طرائق التواصل الافتراضي.
وقد قدم (بيل جيتس) مدير عام شركة “مايكروسوفت” العالمية رؤية استشرافية تناول فيها هذا الموضوع، وبيّن الدور الذي ستنخرط فيه وتلعبه تكنولوجيا المعلومات يوماً ما في تغيير، وتطوير أساليب وطرائق التعليم، حين قال: “إن طريق المعلومات السريع، سوف يساعد في رفع المقاييس التعليمية لكل فرد في الأجيال القادمة، وسوف يتيح الطريق إلى ظهور طرائق جديدة في التعليم، وبروز مجالات واسعة للاختيار”.
التاريخ: الثلاثاء3-11-2020
رقم العدد :1019