الثورة اون لاين – هفاف ميهوب:
هي نصيحة قدمها الشاعر والنحات والتشكيلي “أمين غانم” بعد أن رأى بأن “الوضوح والمباشرة في الكلمات، قتلا الدهشة وفرغاها من الحياة”. قدمها مخاطباً قارئه، والمبدع الذي تحرّر من شخصيته، وكل من رآه يسعى لتفريغ الكتابة من روحها، واستنطاق أناه في بوحها:
“أيها القارئ – المتلقي/ لن ترتقي في عملٍ يوافق هواك.. أيها الشاعر-الفنان/ تحرر من شخصيتك وابدأ عملك.
اتجه إلى عمقك، واصمت، واغرف من كنوزك.. بداية لا تكتب ما تريده، بل ما يدهشك أولاً، ثم اصنع أساطيرك منك”.
مقدمة، ألهمتنا البدء بسؤال “غانم”: أهي نصيحة فنانٍ أم شاعر؟.. لكن، يبدو أنها ليست نصيحته، بل أمنيته:
“إنه ما يتمناه الشاعر الفنان الذي هو نافذة يدفق الكون نبضه فيها.. حين يقود صمته إلى مجرى الكون، يتلقى بخصوص ويكتب.. يرسم بخصوص في لغة غامضة هو نفسه يغترب عنها”.
نتتبَّع أثره أكثر، خشية أن نتعثر.. نستدل عليه، من اخضرار مداه الذي كان بالنسبة إليه:
“سطوة الأخضر، عربدة اليباس، رائحة البدء.. أنوثة الظلال، قيام الضوء، مغاور الوضوح، أغصان الغموض، جنون المعنى، شيوع الدفق..”.
إنها لاذقيته، ومسقط العشق قريته.. الطبيعة التي عبّ من نقاء هواها إلى أن تعتق بأنفاسه، والأرض التي عانقها أنثى الحياة وأنشودة حواسه:
“حواسنا عادة مضطربة أمام الطبيعة، بجنونها، بجمالها، بعذوبتها وغموضها.
نخسر الكثير من ارتقائنا بها، وتوحدنا معها. إذ نحتاج إلى قوة وجهد وعذوبة كي نصغي إليها ونقرأها امرأة”.
إنها أيضاً، “القصيدة – اللوحة” التي عنونها بعد أن كتبها ورسمها، وبعد أن خرجت منه وعادت إليه، لتنبض في شرايينه وتسري فيه:
“قصيدتي نسغ يعبرني.. قصيدتي طريقي إلي.. قصيدتي ثقافتي الحيّة بألوانها. جموح اللون الذي لايمكن ترويضه، فالفنان الخلاق لا يرغب في ترويض اللون كي يضطرب معه ويطمئن، بحزنٍ موغل في العمق وفرح راقص لا يهدأ، وإنما يحاوره بحساسية فنية راقية”..
نعم، إنها القصيدة التي أنصت الفضاء لمعناها، ورآها في أنامل مبدعها: “أوسع وأعظم من الكلمة واللون”.. القصيدة التي لولاها لما عرف مايجهله عن نفسه، ولا اكتشف عمقه وحدوده والمدى الذي يتأمله.
يتأمله من خلالها متماهياً مع مفرداتها وألوانها.. يبحث عن ذاته في عمقها، فتعتريه أحاسيس يشعرها:
“تشويش ذهني وضياع في أعماقه، يعجز عن فهم ماذا يعمل وماذا يريد، وعن تحديد شعوره الهيولي. يغترب عن نفسه في غموضها، حتى تتوضح له في كلماته وألوانه”.
يبدو أن الطبيعة – المرأة، لم تكن وحدها من أنشدها “غانم” ولونها. لم تكن وحدها لطالما أراد أن يكون إبداعه، رسالة يخاطب بها الشباب الموهوب في مجتمعه:
“تخلصوا من الفكر الماضي، واتجهوا نحو الجديد والمدهش في التغيير.. ابتعدوا عن الاطناب والحشو اللغوي، بالبناء أولاً من أجل الهدم”.
لا ينتهي الحوار، ولا يمكن أن ينتهي إن كان من نحاوره مبدعا متعدد النتاجات.. مبدعا في زمنٍ يتغيّب ويغيب فيه، كل ما يرتقي بالمجتمعات وأبناء الحياة.
لاينتهي الحوار مع مبدعٍ نختم بتعريفنا به، من خلال قوله عن نفسه:
** “أنا الضائع قصداً/ أرى جهات تومئ لي/ وأرى فيها الآتي/ تثبُ اللغة مني/ تراني وتنتحل زماني/ الضياع يفيض ثماره، والضباب في كل اتجاه، كأن الضباب يتبعني/..
أنا أيضاً، إنسان أعشق الكسل والجمال وعينيها.. منذ طفولتي أريد أن أضيف حروفاً وخطوطاً وألواناً كي أضفي على الكون جمالاً.. أيقنت أن الكون يفنى ويبقى الجمال. رأيت نفسي عاشقاً أبداً، وبقيت كما في طفولتي ألعب، فليأخذ العالم مني كلِّي إلا عفويتي وريفيتي.. أعشق الكتابة والرسم واللعب”.