الملحق الثقافي:منال محمد يوسف:
هكذا كنا نأمل أن نكتب، ولا نخشى في الكتابة ذاك الأمل الموجوع. كنا نأمل أن تزهرُ أقاحي الزَّمان، ويجفُّ الدمع وتندثر لغة الدموع، وتنتهي آهات هذا الزَّمن وذاك، وتتوهّج القناديل كالشموع التي تُحرق من أجل أن نحيا، أو بالأحرى نُحرق من أجل أن تتوهّج.
وما زلنا نبتهلُ إلى الله أن تُقبل القرابين والنذور وتوضع بين قوسي حياتنا جملة «ختامها مسك» أو عنبر من هذا الشيء. كُنا نأملُ أن تُكتب حروفها قصيدةً «الختام» من ذاك العبير حيث نحن معه إلى «لغة المسكِ والختام» نحنُّ إلى ثقافات الضّوءِ وهل ما زالت موجودة؟
ختامها مسك. نأملُ، ونكتبُ، ونمشي بين رمش الدهر أو الزَّمان وبين جفنيه إن رفَّ بدمعة الأيام، رفَّ وكأنّه نهج من الأحزانِ أو رغيف خبزاً يُخبز بماء الكلام والأمنيات المؤجلة.
ختامها نخشى أن يهجره «المسك»، ويُمسي حالنا يُشبه حال «طفل هذا الزَّمان» الذي لا يعرف إلاّ لغة الحرمان، لا يعرف إلاّ لغة جفَّ على قبرها الريحان، جفت قصائد كانت تأمل أن تأتي الأيام وتكون قمريّة الحروف. ولكن غيّبُ نهجها جنازات غير مريئة تمرُّ في كلِّ الدروب، كأنّها تغيب في مُضاف الشيء والاسم المجرور.
ختامها مسك. نقول هذا: كُلّما جاء القلب بوجعٍ قد يكون هواه شبه معذور، وكُلّما تحدثَ الرحيق عن أحزانه وسألَ عن تيجانِ الوقتِ والزهور وروي عنه «بأنَّ حاله كما نحن لا يعشقُ اصفرار اللون والذبول»، ولكنها الأقدار قد تأتي إلينا بنوائب من ظلمٍ ظلّه غير مستور، «نوائبه تُشبه حالنا» وحال كلّ متصبرٍ شكور.
ختامها مسك. ومتى يُصبح الحال هكذا، وتُكتبُ روايات وقد يكون بطلها الأوحد «الفرح وفلسفات الختام والمسك» ولا يزرعُ من الحزن وفلسفات الأحزان ما تبقى من شتولٍ، «يزرعها» وكأنّه الوعد إذ يأتي زهره ويموت، وحلمه أضناه ما تبقى من وريقات قد كانت مداد الشجنِ والرّوح. قد كانت حكاية تُكتبُ بلغة الألم ورحيق النّور. رواياتها غير منشورة النبأ وغير متواجدة الحضور، إلاّ في أذهان عقلاء المحبّة إذ جاء عطف سرّهم غير مكشوف، كأنّها القوافي تجتمع والحزن يلهو بكل الذواتِ والقلوب، يلهو وكأنَّ هناك معزوفة تصرخ بنا وتقول: هذه الذوات المقهورة تقول لا تسلّطوا سيف الجوع والحرمان وكلّ السيوف. لا تجعلوا الحزن شاغلُ بالنا والبالُ به مشغول.
فرقرق الماء وعذبه نأمل أن ينهمر علينا حتى من بين الصخور، نأمل إلاّ يُقتلُ ويشيع جثمانه في التابوت.
نقول هذا كُلّما أوقدنا شيئاً يُشبه أعواد البخور، وكُلّما أتى الزمان إلينا «بأبجدياتٍ من وجعٍ» يُمزّق ثنايا الوجدان والشعور.
نقول هذا كُلّما نادى القلب «مداد الصبر من الله الصبور».
ختامها مسك. نتمنى أن يصبح الأمر هكذا ونرى «الختام والمسك المختوم».
التاريخ: الثلاثاء10-11-2020
رقم العدد :2020