أسوأ صفات المدير الفاشل هو عشق البرج العاجي وأنه لا يتنازل أبداً ولا يسمح لنفسه بالاختلاط بمرؤوسيه خوفاً من أن يفقد هيبته العظيمة، وعادة ما تجد هذا النمط من المديرين يحيط نفسه بسياج من الأشخاص يمنعونك من الوصول إليه. أما مناسبة هذا الكلام اليوم فبعض الوقائع عن ممارسات لبعض المعنيين في مدارس الحسكة وكأنهم خارج التغطية ولا علم لهم بالحد الأدنى من الإجراءات والتدابير الخاصة بكورونا.
تتصل المعلمة بمدرستها لتعلم المدير أنها اضطرت للسفر فجأة للعلاج في دمشق فلم يرد، وعدم الرد هنا ليس بسوء نية كما تقول وإنما ربما لإنشغاله أو أنه خارج الإدارة، فتم الاتصال مع أحد الإداريين أو المدرسين وتم إعلامه والطلب منه تقديم إجازة لمدة أسبوع لحين العودة من دمشق.
ما حدث أن المدير لم يقبل بذلك واعتبرها غياباً غير مبرر، وعندما عادت من دمشق والتحقت بالمدرسة فوراً جدد المدير رفضه لتبرير الغياب، وأكثر من ذلك عندما طلبت منه إحالة للصحة المدرسية للتأكد رفض ذلك وأرسل كتاباً إلى مديرية التربية لاستجوابها وربما اعتبارها بحكم المستقيلة، ولعل الغريب والمدهش هنا أن التدابير الصحية اليوم تؤكد أنه مجرد الاتصال مع المدرسة يبرر غياب الطالب أو المعلم وعلى الرغم من ذلك مثل هذا المدير ظل خارج التغطية وكأنه لم يسمع بذلك.
لعل أهمية الموضوع ليست في هذه الواقعة التي حصلت في مدرسة حسن خميس بالحسكة ومديرها ولاسيما أنها عندما وصلت إلى أصحاب الشأن والقرار لقيت الاهتمام والمعالجة وفق الأصول.
إنما الواقعة ذاتها تقودنا إلى التذكير بالمهارات الفنية والإدارية والإدراكية والإنسانية في التعامل مع الناس، وأيضاً إلى المعاناة المزمنة مع الإدارات التي تفتقر إلى عدم القدرة على التنبؤ بالمشاكل وحلها وكذلك انعدام كسب ثقة الناس وتعاونهم وتحفيزهم وعدم التحكم بردود الأفعال.
أصل الحكاية هنا في معاناتنا مع بعض الإدارات في العديد من المؤسسات التي يقودها مدير فاشل يطلب من غيره السيطرة على مشاعرهم ويحاسبهم على التقصير في ذلك ولكنه ليس قدوة يحتذى به وتارة أخرى تجده يضيق ذرعاً وغضباً من أي تصرف أو موقف يواجهه، ولا يلتمس لأحد العذر ما يؤدي إلى تراكم الأحقاد في قلوب الموظفين تجاه ذلك المدير.
ولأن وجعنا المزمن في مؤسساتنا هو مع المدير الفاشل فإن أسوأ صفة يمكن أن يحملها المدير ليست هي الجهل أو ضعف الشخصية كما قد يعتقد البعض، فالجهل على خطورته يمكن تجاوز الكثير من آثاره من خلال تعيين مستشارين أو الاستعانة بخبراء أو حتى التعلم الذاتي لكن الصفة التي لا يمكن تجاوز آثارها الكارثية على المحيطين بالمدير ومن يتعاملون معه هي (الحقد) الذي يتغلب على كل طباعه الإيجابية إن وجدت ويتحول إلى حجر عثرة في طريق تطور المؤسسة وركام مشوه من العقد النفسية التي لا عمل لها سوى التربُّص بالموظفين ومحاسبتهم على النيات وخصوصاً الناجحين والمتميزين منهم، والمدير المبتلى بداء الحقد كارثة على أي إدارة فهو لا يعرقل العمل فحسب، بل يعيق الحياة الطبيعية إلى حدودها الدنيا، أما العمل بروح الفريق الواحد فهي متعة يفتقدها المدير الحقود الحاسد الذي لا يغضبه شيء أكثر من تميز أحد أفراد فريقه، والذي يرى في اختلاف الرؤى سبباً وجيهاً للعداء، كما يرى في مطالبتك بحق من حقوقك سبباً أكثر وجاهة للنفي والإقصاء، بل إنه لا يتورع عن الكذب وتشويه سمعتك، كي يتوهم بينه وبين نفسه المريضة انتصارات وبطولات لا وجود لها إلا في مخيلته، أما اعتقاد المدير الدائم بأنه على حق فهذه الصفة السلبية تحجب عن صاحبها نور الحقيقة لأنها تغذيه بالفكرة القديمة السائدة بأن المدير أفهم من الجميع وأن كل العاملين عليهم الرجوع إليه في كل صغيرة وكبيرة، فهو يرى أن هؤلاء المرؤوسين إنما هم أقل علماً وأقل خبرة ولا ينبغي أن تؤخذ آراؤهم.
وإذا كان السؤال إزاء كل ما تقدم ما الحل ؟ فإن الإجابة هي بسؤال آخر حول دور الجهات التي تراقب الأداء وتفرز المدير الناجح عن المدير الفاشل، وأن يكون هناك أدوات قياس ولاسيما في هذه الظروف الصعبة التي أصبحت شماعة للمقصرين والفاشلين في إداراتهم لشؤون دوائرهم ومؤسساتهم.
الكنز- يونس خلف