الثورة أون لاين – أديب مخزوم:
استضاف المركز الوطني للفنون البصرية في دمشق، معرض الفنانة فتاة بحمد، متضمناً مجموعة من لوحاتها الزيتية، التي تعالج فيها العناصر النباتية وأحواض الزهور وأجواء الغرفة من الداخل وما تحويه من كراس وطاولات وأشكال صامتة ونوافذ مفتوحة على الضوء، إضافة لمشاهد الطبيعة وغيرها، ولقد جاءت اللوحات بقياسات مختلفة ، وبتقنية الألوان الزيتية.
وأهم مايميز المعرض الأشكال النباتية التي تتنوع وتتداخل في اللوحة الواحدة، بحرية وعفوية تتخطى الرؤية الواقعية التقليدية ، وتفتح أمدية لونية غنائية داخل مساحة اللوحة، وتذهب إلى الجوهر وتؤكد صياغة تقنية كثيفة للمسات اللون تزيد من حالات تحسسنا لإيقاعات جمالية حديثة تعرف كيف تختزل الأشكال الواقعية وتبرز المشاعر الانفعالية، حيث يتغلب الطابع التعبيري عبر هذه الحساسية المتمادية في الذاتية إلى درجة تجاوز ما هو متعارف عليه من جماليات وعناصر مألوفة في اللوحة التقليدية.
تقنية اللون الزيتي
فاللوحة اصبحت اكثر نضجاً وقدرة على التعبير عن الانفعال الذاتي، وذلك بإيجاد أهتزازات بصرية في مساحات اللون عبر هده اللمسات النافرة للون الزيتي، بهدف الوصول إلى جوهر الأحاسيس الإنسانية العميقة، والتواصل مع جماليات وثقافة فنون العصر، وأعمالها تذكرنا بأعمال الفنان الفرنسي هنري ماتيس، وهي تعطي اللوحة المزيد من الحرية في تحريك اللون وصياغة الخطوط المتقطعة، بحيث تتحول الأشكال والعناصر والرموز إلى ضربات ولمسات ولطخات لونية وحركات خطية تلقائية، فيها الكثير من التنويع العاطفي والوجداني والذاتي .
فالضربات اللونية المتتابعة تلبي بعفوية مطلقة انفعالاً ذاتياً، وانسياقاً نحو ايقاعات اكثر عفوية. وهذا يعني أن العفوية والسرعة المطلقة في التشكيل لا تؤذي اللوحة، وبالتالي لا تجعل عملاً يبرز على حساب الآخر في خطوات ابتكار نسيج بصري خاص، يتخطى الرؤية التقليدية، ويزيد من حالات تحسسنا لايقاعات جمالية حديثة لها علاقة مباشرة بثقافة وفنون القرن الماضي ، التي غيرت مجرى الفن في العصر الحديث.
وهذا يعني انها حققت رغبة بإضافة الحركة والحيوية العاطفية إلى لوحاتها، والتعبير عن أقصى الحالات العفوية التي تجسدها في حركة الأشكال والرموز.
فاللوحة التعبيرية والوحشية التي تجسدها هي مرآة لميلوديا الداخل ، كما أنها محاولة لتوثيق الصلة بين الداخل والخارج ، بين المنظور والمحسوس أو بين رؤية الواقع ورغبات تجاوز قيود هذا الواقع للوصول الى وتيرة الألوان الكثيفة المتراكمة فوق بعضها البعض . وهذا الاتجاه المتحرر في صياغة عناصر اللوحة مستمد من تطور اللمسة في الرسم الأكثر عصرية وحداثة وذاتية .
أشكال نباتية
فالرسم العفوي والتعبيري هنا هو الحالة والهدف والجوهر، حيث تصبح المساحات بعيدة عن التسطيح والرزانة والدقة الباردة ، وهذا يزيد من الايقاع الانفعالي الصادق والحاضر في مساحة اللوحة .ولعل هذه الحرية التي انطلقت منها في صياغة اللوحة الفنية ، هي التي أسست لشخصيتها التي تحمل بصمتها ، فالصدق هو الذي يحقق التميز، وهو الذي حول اللوحة الى سطح تضاريس فيه المزيد من الخشونة والسماكات التي تدفع اللوحة مرة أخرى، بعيداً عن الأطر الجمالية المستهلكة والثقافات الجمالية المتوازنة .وقد تتحول اللوحة إلى مجرد اختصارات عفوية موضوعة على سطح اللوحة في خطوات اختراق رتابة موضوعات المنظر الخلوي الذي تظهر تقسيمات حقوله عبر هذا الغناء والغنى اللوني .
كأن أنغام تقاسيم ألوان الزهور والأحواض النباتية والطبيعة المجسدة في أغلب لوحاتها، تحمل جميعها تداعيات اللون المحلي، الباقي في ذاكرة العين ومخزونها البصري، وهنا تسعى لإظهار إيحاءات الانتماء إلى أرض مميزة بطبيعتها ومناخها وألوانها، فهي لا تجسد التلال والحقول والأشجار والزهور.. المشرعة على النور إلا لتسجل من خلالها لحظة خاطفة من حلم الواقع، لذا نشعر عندما نتأمل لوحاتها كأننا نتنفس من مدى اللون والأفق والشمس في المنظر الطبيعي المحلي.
عجائن اللون
واللون عندها يجمع بين الرقة والحدة، بين الشفافية والكثافة، في خطوات إيجاد رابط متماسك بين الصياغة التلوينية والأداء التكويني، وإضفاء تناغم إيقاعي بين اللمسات اللونية التي تؤكد ملامح إسقاط الذات على المنظر أو عناصر البيت من الداخل، وتبرز مشاعر الإحساس بنضارة ألوان وأضواء وأنوار الطبيعة .
وإذا نظرنا إلى رموز اللوحة من فسحات خضراء ونباتات وحقول، نجدها تركز لاستعراض قدراتها التقنية والتأليفية ، وتطرح أمام المشاهد جمالية الأسلوب التعبيري، وهذا يعني أنها لاتبقى عند ضفاف الصورة الواقعية، وإنما تتجاوزها نحو دلالات جمالية مفتوحة على بعض تيارات الفنون الحديثة .
وبذلك تلتقي مع أساليب الفنانين التعبيريين المحدثين، حين تمد لوحتها بثمرات خبراتها التقنية المتحررة للوصول إلى العجائن اللونية الكثيفة، التي تضفي بعض الاختصار والتبسيط والاختزال في خطوات الوصول إلى الهدف الجمالي المطلوب.
وفي هذا الإطار يتجه نظرنا للإحساس بأسلوبية خاصة على الصعيدين التكويني والتلويني رغم تفاوت المعالجة، وهذا يزيد من إيقاعية الحوار اللوني، ويفسح المجال لرؤية اللوحة منفذة بحساسيات لونية مختلفة ومتفاوتة.