الثورة أون لاين -نيفين عيسى:
تركت الظروف الاقتصادية انعكاسات مختلفة على عدة مستويات اجتماعية واستهلاكية وغيرها ، إذ يعمل الكثيرون على تغيير سلوكهم وعاداتهم بما يتناسب مع الأوضاع الحالية.
سميرة حسن موظفة في معمل للسجاد أوضحت بأن ارتفاع الأسعار ومستوى الدخل المحدود لديها ولدى زوجها دفعهما لتخفيض النفقات غير الضرورية ،ومحاولة الاستعاضة عن شراء الحلويات من خلال إعدادها داخل المنزل ، وكذلك ترتيب الأولويات لتكون المواد الغذائية الأساسية بالمرتبة الأولى والتنازل عن الأشياء غير الضرورية كشراء الملابس الجديدة إلا إذا استدعت الحاجة ذلك. وتضيف: إنه لو كان بالامكان الابقاء على العادات الاستهلاكية السابقة فمن الأفضل توفير شيء معين على الصعيد المادي وادخاره للأيام القادمة لتأمين مستقبل الأبناء ، فالناس على سبيل المثال اعتادوا في السابق على إعداد كميات من الطعام تزيد عن حاجة الأسرة والتخلص من الكميات الزائدة وهو سلوك خاطىء ربما حان الوقت لتصحيحه.
انعام صالح ربة منزل ويعمل زوجها سائقا على سيارة أجرة ، أشارت إلى أنها لم تعد مهتمة بالمناسبات الاجتماعية وتلبية الدعوات لأن ذلك يُكلّف أعباء لم تعد متاحة ، وبدأت تعتمد على (المونة) أكثر من شراء المواد يومياً أو أسبوعياً من السوق ، وقد أقنعت أولادها بعدم ضرورة شراء المأكولات خلال ذهابهم إلى المدرسة من خارج المنزل وهي تؤمن لهم البديل الذي تُعدّه لهم بنفسها ، وترى أنّ الظروف الحالية تُمثّل فرصة لإعادة النظر في بعض السلوكيات الاستهلاكية غير الضرورية، ليصبح ذلك تقليداً مستقبلياً.
أحمد خير الدين الذي يملك محلا للأدوات المنزلية أوضح أن المشاركة بالمناسبات الاجتماعية تراجعت كثيراً بسبب انتشار فيروس كورونا من جهة والظروف الاقتصادية من جهة أخرى ،و الأوضاع الحالية جعلت أفراد الأسرة يتشاركون ببعض المستلزمات التي يمكن لأكثر من شخص أن يستخدمها ، وأضاف بقوله كان يتنقل باستخدام التاكسي كثيراً ، لكنه حالياً يستخدم السرفيس بشكل دائم ، فالتوفير مطلوب لتأمين ماهو ضروري للأسرة.
نغم السايس طالبة جامعية تقول إن الحكمة تتطلب التنازل عن بعض الجوانب الاستهلاكية التي اعتاد عليها الكثيرون ، وهي تحاول باستمرار التخفيف عن أهلها من خلال الاكتفاء بما هو ضروري لدراستها ، وليست مضطرة لمجاراة زميلاتها ممن لديهن دخل مادي أفضل مما لدى أهلها ، لأن الهدف هو نيل الشهادة الجامعية وليس إرهاق الأسرة بطلبات يمكن الاستغناء عنها.
المدرس محمد غانم ، أفاد بأن زوجته تعمل في روضة للأطفال و يتعاونان معا لتوفير متطلبات الأسرة ، لكن الأسعار المرتفعة تجعلهما يضعان ميزانية للنفقات الشهرية ، وهو لا يجد أن الأمر مخجل أو معيب ، فالظروف تتطلب الاستغناء عن كثير من الكماليات في الحياة.
سامر فضل صاحب بقالية يرى أن مشتريات الناس من المواد الغذائية تراجعت كثيراً ، وأصبحت تقتصر على ماهو ضروري وبكميات أقل من السابق ، إضافة إلى أن الزبائن أصبحوا يقارنون بين أنواع وجودة المنتجات أكثر من السابق ، حتى أن البعض يجادل في السعر كثيرا ليقرر بعد ذلك عدم الشراء.
أسعد المحمد يعمل بمجال التسويق في إحدى الشركات الخاصة ، أوضح أن الأوضاع الاقتصادية الحالية جعلت المواطنين يفاضلون بين أنواع المنتجات على أساس التوفير وضمان الجودة ، مشيراً إلى أن بعض العادات الاستهلاكية القديمة بدأت تتراجع ، حيث أن التخزين وشراء كميات زائدة وغير ضرورية وذات جودة عادية لم يعد أولوية بالنسبة للمستهلكين ، والسعي لامتلاك ماركات معينة مرتفعة السعر لأسباب اجتماعية تراجع كثيرا ، وأصبح المواطن يُفكر بطريقة اقتصادية وعملية أكثر من السابق.
الخبير الاقتصادي الدكتور ياسر الأحمد أوضح أنه في ظل ارتفاع الأسعار تبرز الحاجة لتحديد أولويات الأسرة والتخطيط للانفاق بما ينسجم مع الدخل المادي ، فخلال السنوات الماضية بدأت طرق الانفاق تتغير لدى الأسرة السورية من حيث إعطاء الأولوية للأساسيات ، كما يبدو الاقتصاد المنزلي هاماً لتلبية متطلبات الأسرة ، وذلك من خلال الاستفادة من الموارد بأسلوب واقعي والإنفاق السليم إضافة إلى الاعتماد على المواد الغذائية التي يمكن إعدادها في المنزل وتخزينها لعدة أشهر، مشيراً إلى أهمية مساهمة جميع أفراد الأسرة في إدارة شؤونها، والمفاضلة بين الأهداف المطروحة على ضوء الموارد المتاحة.
هكذا تبدو الظروف سبباً مباشراً لاعادة النظر في الكثير من العادات الاستهلاكية ، والتي يبدو أن معظمها يتغير يوماً بعد آخر ، ليتحول إلى عادة اجتماعية وسلوكاً أسرياً فرضه الواقع.