الثورة أون لاين – هفاف ميهوب:
“ما زلتُ أجهلُ من أنا ولماذا/ مازلتُ أكتبُ بالدموعِ رذاذا/ مازلتُ والماضي يهزُّ نخيلهُ/ غصنُ الهواءِ وأصطفيهِ ملاذا/ مازلتُ والوجعُ المقيم على الصدى/ يحيا بذاكَ وقد تأملَ هذا”.
هكذا يعرّف الشاعر “سامر محمود الخطيب” بنفسه، بعد أن قرّر مغادرة هذا الزمن الحاقد إلى قصيدة عشقه. القصيدة التي يتباهى بانتمائه إلى وطنها، والتي دلَّ مُذ بدءِ الحوار، على أنها الأقدر على تعريفنا به عبر قولها:
خذْ من دمي غصناً وقل لجذوري/ الليلُ ينطق من مقامِ النورِ/ والوردُ من فكرِ التراب وسرّه/ كالنَّار تحرقُ قطعة البخور/ والحبرُ من ماءِ الفؤاد ودونهُ/ ما كان يظهر في السطورِ شعوري/.
قال هذا، فجعلنا نشعر بأن محاولاتنا لن تجدي نفعاً في استنباطِ أجوبة لا تتماهى مع أحزان قصيدته. سعينا لمعرفة السبب، فوشى به الحلم الباقي في أنشودته:
لا زلتُ أحلم والأحلامُ بائسة/ وكلّ سطرٍ لقلبي بات يحترق/ وكلّ حرف لجرحي يقتفي أثراً/ أحداقهُ الصمت والأوجاع والأرق/ كأنما الموت في عيني يحملني/ فأي موج لملحِ الحزن أعتنق/..
بيد أن ما يطلقه من كلمات، هو ألمِ اللحظات، وما يشعل مفرداته الغاضبة، سواد القلوب والعقول والنفوس الحاقدة، بل حرائق كل فكرٍ لا يتبنى إلا الجهل. الحرائق التي كان أكثرها إيلاماً له، تلك التي تصاعد دخانها من أشجار وطنٍ جعل سؤاله:
في البالِ ألف سؤال ليس يحتمل/ والقلبُ مثل دموعِ الفكرِ يشتعلُ/ والموجُ في القلبِ أضحى بعض أدخنةٍ/ والريح نحو أناهيد الصدى تصلُ/ والجرح يصمت والأشجار هاربة/ والغيم فيهِ تجلّى الحزن والخجل/..
نتوقف.. نراقبه وهو يتنفس من رئة هذا الوطن الأنقى.. نعاود سؤاله، عما يقوله لمن أحاطوا شعبنا وأرضنا بجحيم الحرب والحقد الأعمى.. يجيب وهو يزفر الكلمات، بإبداعٍ ترصعه الأبيات:
الرأي للشعبِ الذي يختارُ/ لا للذين توهموا واحتاروا/ لا للذي كالببغاء يقول ما/ قال الغزاة وقرَّر الأشرار/…. لو كان يُسمعُ ما تكلَّمتم به/ من حقدكم لطوتكم الأحجار/ تباً لكم من عابثينَ بفكرنا/ تباً لكم يا أيُّها التجار/..
حتماً هو رأيه. رأي شاعرٍ عرّفت به القصيدة فعرّف بأنها، من جعلته من شعراء الجيل الجديد لكونها، تنوعت لديه مابين الوجداني والغزلي والإنساني والصوفي، بل والوطني الذي تفاقمت حرارة حرفه خلال سنوات الحرب على وطنه. الوطن السوري الذي وصف تجذّر القوافي دماً في أرضه:
جذرُ القوافي في الأرضِ ذاكرةٌ/ وفي الغصونِ له ريحٌ وأعلامُ/ عشق التراب له سرٌّ يباغتنا/ بأنَّ تكويننا طينٌ وإضرامُ/ للأرض في سرِّها المكنون فلسفةٌ/ والبعض في فهمها في العمقِ قد ناموا/ هي انتماءٌ لمن أورى حقيقتها/ طوبى لمن باسمها صلُّوا وقد صاموا/.
كلّ ذلك ولا يكتفي، فالشعر لديه طائرٌ يحلّق أنى شاءَ فضاؤه الوفي.. الفضاء الذي يسمو بالمحبة والأخلاق والإنسانية، ويُسقط الفاسدين والحاقدين والخونة والمتسلقين وغيرهم ممن لا مكان لهم على خارطة المحبة الأبدية.
إنه ما كان سبباً في جعل “مقاطع مبعثرة” و”هواجس وأجراس” و”طقوس مرجانية” من الدواوين التي استحق عليها العديد من الجوائز العربية.. الدواوين التي حمّلها من البعد الإنساني والوطني، ما حملته قصيدته التي أبى إلا أن يختم برسالتها التي تقول، وباسمِ كلِّ سوري:
إما أكون على ترابي سيِّداً أو لا أكون/ يا أيها المتسلِّقون/ من أين جئتم/؟!! وكيف جئتم/؟!! وأيّ أرضٍ تسكنون؟!!/ ولأيِّ ذاكرةٍ وفكرٍ في الحقيقة تنتمون؟! وعلى مشارفِ أيِّ عهدٍ بربريٍّ تسرحون؟!..