الثورة أون لاين:
منذ أن كان تواصلي عام ١٩٨١م مع المدينة والقدرة على الوصول إلى منافذ بيع إصدارات وزارة الثقافة السورية وأنا أتابع معظم ما تصدره ومازال الأمر مستمراً حتى الآن..
لقد شكلت إصدارات الوزارة عالماً من الثراء الفكري لكل القراء ليس في سورية وإنما على امتداد الوطن العربي …من إصداراتها اقتنينا معظم عيون الأدب العربي والعالمي وكتب التراث التي أحيتها ونشرتها ..
وما زال الأمر مستمراً بعد أن تأسست الهيئة العامة السورية للكتاب ومن باب الاعتراف بالفضل وكلمة الحق يجب القول إن الهيئة خلال السنوات الماضية قامت بأعمال متميزة واستطاعت أن تكون جدار الصد في مشهد النشر بمعنى أنها الرافد الحقيقي لكل قارئ سوري يشهد على ذلك عدد الكتب التي أصدرتها ترجمة وتاليفاً..
وكان لافتاً أن تتصدى لإصدار مجموعة سلاسل بعضها لم يصدر منه إلا كتاب واحد وبعضها الآخر يتوقف لزمن طويل كأنها مخصصة لكتاب محددين إذا لم يتقدموا هم بأعمالهم فلن تصدر..
أعني بها سلسلة آفاق ثقافية التي توقفت منذ فترة وعادت بإصدارين مهمين جداً، وكانت هذه السلسلة تصدر شهرياً.
أما سلسلة قضايا لغوية التي استبشرنا بها خيراً وقد وصل عدد إصداراتها الآن إلى ٤٢ كتيباً.
هذه السلسة التي يجب أن تناقش قضية لغوية ما، كان إصدارها الأول من صحيح القول، ومع أن عشرات الكتب والمعاجم تناولت هذا الجانب لكن كان الكتيب مهماً ومن ثم صدرت عناوين أخرى مهمة تتناول فعلاً قضايا لغوية مثل كتب الدكتور محمود السيد والدكتور ممدوح خسارة وثمة كتيبات أخرى.
لكن السلسلة خرجت عن الغاية التي كانت من أجلها ومنذ أكثر من سنتين كتبت عن ذلك وتحدثت إلى من يهمه الأمر ويعنى بها ورأى أن ذلك صحيح.
لكن على ما يبدو أن حبال النحو والصرف هي التي تشد اللغة إلى اليباس.
لغتنا العربية اليوم ليست على ما يرام وتحتاج الكثير من العمل للنهوض بها لأنها لغة الحياة، فالنحو ليس اللغة كلها والشعر الجاهلي الذي يتصدر مشهد هذه السلسلة أشبع دراسة وحلقات بحث ورسائل ماجستير ودكتوراه..
ومع ذلك مازالت هذه السلسلة تصر على أنها تقوم بفتح كبير في اللغة حين تقدم كتيبات لا علاقة لها بالقضايا اللغوية المعاصرة..
ماذا يعني الآن أن تصدر كتيباً عن أثر الشعر الجاهلي في بناء القاعدة النحوية ..أو مخالفة القياس العروضي..أو..
الكتيب الأخير الذي صدر في هذه السلسلة حمل عنوان ..شرف المعنى وصحته في معلقة الأعشى..للدكتور عبد الكريم محمد حسين ..كتيب مهم جداً في التذوق الجمالي وعاد بي إلى أستاذنا الدكتور عبد الكريم يعقوب عندما كنا طلاباً بجامعة تشرين ١٩٨١ إذ اختار لنا جزءاً من معلقة الأعشى ليكون موضع دراسة جمالية تذوقية.
هذا الكتيب المترف بعمق القراءة وجمال ما قدمه المؤلف لا علاقة له بقضايا اللغة ..بل إن كلمة شرف المعنى ظل معناها غامضاً..هل تعني الرفعة أم القوة أم الجمال أم الشرف ولا سيما أن ثمة حديثاً منسوباً للرسول (ص) جاء فيه بما معناه ..كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه ووفق ما كتبه برهان بخاري ذات يوم فمعنى كلمة الشريف هنا القوي ..
الغريب جداً أن لجنة التمكين للغة العربية تجتمع في الهيئة العامة السورية للكتاب ولم تقف عند تغريب هذه السلسلة خارج السرب ..
ربما من الأفضل للهيئة أن تطلق على السلسلة اسم قضايا من الشعر الجاهلي أو قضايا النحو والصرف ..
اليوم نحن بأمس الحاجة إلى طرح قضايا لغتنا المعاصرة ..هل نذكركم بما طرحه الدكتور مازن المبارك منذ عقود وما يطرحه الدكتور السيد وممدوح خسارة وغيرهم ..
اللغة كائن حي تتجدد خلاياه بتجددنا فعلاً ثقافياً ومعرفياً وإنجازاً في الحاضر الذي لا يتنكر للماضي إنما يثريه ويضيف إليه..
لغتنا بحاجة ماسة لمعالجة قضاياها المعاصرة وهذا ما كان في بعض كتيبات السلسلة… هل تستعيد السلسلة رونق الحياة والقدرة على التفاعل مع لغة العصر ..؟
وبكلمة أخيرة لا بد من القول إننا مع كل كتاب يصدر عن الهيئة أو السلسلة لكن يجب أن يكون ضمن سياق حقيقي له، لا أن يحشر قسراً بمكان آخر..
كتيب شرف المعنى مهم جداً ولكن ليس هنا مكانه لا من قريب ولا من بعيد .
كم هو جميل ورائع ما اقتبسه الدكتور وهب رومية في كتابه المهم من قضايا الثقافة والصادر منذ أيام عن الهيئة العامة السورية للكتاب إذ يقتبس قول هايدجر: إن شخصاً لا يعرف سوى الأشياء يكون مجرداً من الأفكار.. فلا توجد الأفكار إلا في اللغة.
لنكن أبناء اليوم مستندين على أساس الماضي نعلي مدماك الغد ..كفانا وقوفاً على أطلال ما كان نريد لغة الحياة.