مع اقتراب عداد الرئيس دونالد ترامب من نهايته، ومع استمرار حملته الدونكيشوتية مع لعبة الانتخابات الرئاسية التي لم تنته بعد، ومع كل فشل يواجهه ترامب من رفض للدعاوى الطاعنة في نزاهة انتخابات بلاده الديمقراطية، وفي ظل رد ديمقراطي حازم يوجه ضد السلوك الجمهوري داخل مجلس النواب الأميركي، ومع اتهام نانسي بيلوسي رئيسة مجلس النواب الأميركي، وهي واحدة من الأعداء اللدودين لترامب، للنواب الجمهوريين بأنهم يقوضون النظام الديمقراطي الحر داخل الولايات المتحدة الأميركية من خلال تشكيكهم بمؤسساتهم الدستورية والقضائية، ومع استمرار الحرب والحملات الإعلامية والشعبية ما بين الجمهوريين والديمقراطيين، تستمر الحرب ضد سورية بأسوأ وأبشع الأشكال، إذ تسعى إدارة ترامب لخنق سورية والسوريين ومنع كل وسائل العيش البسيط عنهم، وذلك من خلال اتخاذ المزيد من الإجراءات الظالمة أحادية الجانب المضافة إلى الإجراءات السابقة المعروفة زوراً وبهتاناً تحت مسمى (قانون قيصر) سيىء الذكر، وكأن كل إجراءاته لم ترض إدارة ترامب ولم تشف غليل كيان العدوان الصهيوني بعد اقتراب العدوان الإرهابي من إنهاء عشر سنوات عجاف لم يستطع خلالها من تدمير أو إسقاط بنية الدولة السورية المستهدفة، ولم تستطع فرض الإرادة الأميركية والقبول بشروط التبعية التي تجعل من العدو الصهيوني قائداً ومحركاً لجميع النشاطات والمقدرات الاقتصادية والثقافية في المنطقة العربية وما بعدها.
وهنا يبرز السؤال الكبير عن السبب في استمرار هذا العدوان رغم وضوح الدرس المستفاد من نتيجة عشر سنوات من العدوان الظالم، ذلك العدوان الذي دمر البنيان واغتال الإنسان وقطع أسباب الرزق، لكنه لم يستطع أن يؤثر في عزيمة الفرد السوري وهو قد وصل إلى أدنى درك في سلم الأمن الغذائي والمعيشي نتيجة تلك الإجراءات الظالمة التي تتشح باسم القانون ؟
في المقارنة الشكلية، لا مجال أبداً لوضع ميزان يقارن ما بين سورية والولايات المتحدة الأميركية، فكيف وإن كان خلفها الغرب الاستعماري والرجعية الإقليمية والعربية تتابع تنفيذ تلك الإجراءات وتفسح المجال الواسع للإرهابيين في تنفيذ إجرامهم، وتسبغ عليه صفة الحق واعتبار سلاحهم أدوات حوار ديمقراطي، في عملية سرقة المنطق وسلب العقول وغسيل الأدمغة وتضليل الرأي العام الغربي بأبشع الصور وأكذبها.
فلماذا يستمر العدوان إذن في ظل هذه المقارنة وتلك المفارقة الظالمة؟
الإجابة التي لا تعجب الكثيرين ولا تروق لكثيرين غيرهم وتزعج وتغضب آخرين غيرهم، هي أن هذه هي سورية،
سورية بكل مقدراتها النوعية وعمقها الحضاري والتاريخي وإرثها الأصيل ومقدراتها التي لا تنفد ونموذجها العصي على الفهم كما أنه عصي على التقليد،هي سورية حاضرة الكون ومنطلق الحضارة الإنسانية وبداية رحلة الخطوة الأولى على درب التطور البشري.
إنها سورية الحاضن الأوسع لثقافات الإنسان والمبرمج والموحد والجامع لما تناثر واختلف من ثقافات ومعتقدات وأفكار.
إنها سورية المروض والمغير والضامن والواقي من شرور الغزاة والطامعين، ومن حولتهم إلى شعراء ومحبين.
إنها سورية ذات المقدرات الأخلاقية والعلمية النوعية والتي لم تكتف بهبة الحرف والمحراث والوتر للبشرية، لكنها ربطت بينها بالقدرة على جمع الأفكار المتناقضة وإعادة صياغتها لتخلق بنية جديدة لمجتمع متكامل، تتضافر فيه عناصر الخير والمحبة، فلا تفرق بين من نشأ فيها من الأزل وبين من جاءها ساعياً للاستقرار والأمان فتحول إلى جزء منها على مر الدهور.
إنها سورية المعادلة الصعبة التي تفرض انتصار فكرها وروحها وطبيعتها اللينة دون ضعف على كل من يستقر فيها، وتهبه قوة الخلق التي لا تنفد ولا تنتهي.
فهل لكم أن تسألوا بعدها لماذا يحاربون الفرد السوري، ولماذا نؤمن بانتصاره، ولماذا نؤمن أن انتصار سورية أكيد؟
معاً على الطريق – مصطفى المقداد