في خضم الحروب الإرهابية التي يشنها الغرب الاستعماري على الكثير من دول المنطقة- وسورية على رأسها- ثمة حرب أشد خطراً وفتكاً، تتمثل بالغزو الثقافي والفكري الذي يستهدف مجتمعاتنا العربية والإسلامية ككل، لضرب هويتها وعقائدها وانتمائها، بالتالي تفتيتها وشرذمتها عبر محاولة تمزيق منظومتها الدينية والأخلاقية والسلوكية، والسيطرة على عقول أفرادها بهدف التشويش والتشكيك بكل المفاهيم والقيم المجتمعية التي تتصف بها هذه المجتمعات، وبالتالي إعادة تصنيع هذه العقول لتكون ساحة اختراق لمفاهيم الغرب التدميرية، بما يقودها إلى الانسياق الأعمى وراء أفكاره الهدامة، وفق ما يتناسب مع رغباته ومصالحه الاستعمارية.
دول الاستعمار الغربي تدرك جيداً أن حروبها وغزواتها العسكرية ضد هذا البلد أو ذاك، وإن حققت بعضاً من أهدافها التخريبية، إلا أنها تبقى آنية لن تدوم طويلا، وستسقط تلك الأهداف بدحر الاحتلال وزواله، أما حروبها الثقافية والفكرية فسيكون لها تأثيرها على المدى الطويل بحال استطاعت كسب هذه المعركة، وهي بكل أسف استطاعت أن تكسب جولة فيها، من خلال تجنيدها للعديد من الأنظمة المستعربة التي تدور في فلك مشروعها المدمر لكل القيم الأخلاقية والدينية لمجتمعاتنا، والفضائيات المشبوهة التي تمولها تلك الأنظمة، – ( النظامان السعودي والقطري) نموذج، و(التركي) أيضاً-، لا تنفك تروج لكل المفاهيم الهادفة لضرب منظومتنا الاجتماعية وموروثنا الثقافي، بالتوازي مع نشر أفكار التطرف التي تنتجها دوائر الاستخبارات الغربية لتشويه صورة الإسلام برمتها، عبر التضليل وقلب الحقائق وتشويهها.
قيم المجتمعات تنشأ من معتقداتها، وعندما تكون تلك القيم متجذرة تغدو السياج الآمن الذي يحمي المعتقدات الصحيحة والسليمة، وتصبح ثقافة اجتماعية تعكس هوية المجتمع وانتمائه، والغرب بحكم نزعة الهيمنة والسطوة التي تتملكه، يحاربنا اليوم ليس عسكرياً فقط، وإنما يستهدف قيمنا ومعتقداتنا وثقافتنا لتصبح مسخاً تابعاً له، بهدف ترسيخ فكره الاستعماري العنصري، القائم على إقصاء وإلغاء الآخر، فسياسة احتلال الأوطان وغزوها عسكرياً، باتت بالنسبة له في مراتب متأخرة مقابل احتلال الأدمغة والعقول، وهنا تكمن أهمية الوعي المجتمعي للتصدي لهذا الغزو الفكري الجارف، الرامي لتدمير عقائدنا وقيمنا السامية، وهذا يكون بالعمل على سد الثغرات الموجودة داخل مجتمعاتنا، التي يستغلها الغرب ويتسلل منها للتدخل في شؤوننا الداخلية، وزرع بذور الفتن داخل أبناء المجتمع الواحد، فعندما تتمزق عرى الترابط والتكامل بين مكوناته الدينية والثقافية والفكرية يصبح عرضة للاقتتال والعنف والفوضى، بدل التوحد والانصهار لمواجهة التحديات الطارئة التي تهدد وجوده بالكامل.
من نبض الحدث- ناصر منذر