الثورة أون لاين – راغب العطية:
كانت سورية منذ فجر التاريخ حائط الصد لرياح الأخطار الخارجية التي تستهدف الأمة العربية بمكانتها وحضارتها ودورها الإنساني، ولقد تعززت هذه المكانة مع دخول الإسلام إليها في العقد الرابع من القرن السابع الميلادي وباتت دمشق عاصمة الدولة القوية الجديدة، ولم يتم ذلك لولا رسالة الإسلام الحضارية السمحة التي حملها العرب معهم إلى كل مكان وصلوا إليه.
واستمرت هذه المكانة لسورية وبلاد الشام مع انتقال مركز الدولة إلى بغداد، وبقيت هذه البقعة من البلاد العربية محط أنظار الطامعين في كل مراحل التاريخ القديم منه والحديث، وذلك لموقعها الاستراتيجي على كل الأصعدة، ولدورها الحضاري والإنساني على مستوى العالم ككل، ومنها خرج أوائل رجالات النهضة العربية وقيادييها بعد قرون من الاحتلال العثماني البغيض، ومن السبات بسبب الانقطاع عن العالم الخارجي .
سورية حملت دائماً الهم العربي وجسدت المبدأ العروبي قولاً وفعلاً، ولذلك أصبحت قلب العروبة النابض دون منازع، ويرجح كفة هذه المكانة، اعتناقها للإسلام المعتدل والوسطي بعيداً عن التزمت والتطرف الذي اعتنقته الحركة الوهابية التكفيرية وحركة الإخوان المسلمين الإرهابية، اللتان أغرقتا وطننا العربي والمنطقة بالإرهاب والقتل والتدمير .
وشكل الارتباط الوثيق بين العروبة الحاضنة لكل من عاش بين ظهرانيها، والإسلام السمح المعتدل الذي يقبل الآخر ولا يكفَّر أحداً مصدر قوة وجذب لسورية وتطور مستمر لها، الأمر الذي لم يعجب الدول الاستعمارية التي ترغب باستدامة سيطرتها وهيمنتها على الشعوب، لذلك راحت توجه سهامها المسمومة صوب سورية وما تمثله من موقف وطني وقومي راسخ على المستويين الرسمي والشعبي .
ولم تقف الأطماع والأخطار الخارجية ضد سورية إلى يومنا هذا، وقد تجلت في السنوات الأخيرة بشكل هجمة إرهابية شرسة ضدها لم يعرف التاريخ مثيلاً لها، قامت بها منظومة العدوان من خلال دعمها للإرهابيين الذين تم تصديرهم إلى الأراضي السورية من معظم أصقاع الأرض، ونسقت الولايات المتحدة الأميركية هذه الهجمة والحرب القذرة مع بقية الداعمين للإرهاب، الغربيين منهم والإقليميين، وشكلت لهذه الغاية تحالفاً دولياً من خارج الشرعية الدولية مهمته التغطية على التنظيمات الإرهابية والانفصالية، وخاصة تنظيمي “داعش والنصرة” الإرهابيين.
وفي سياق استهداف العروبة، فقد وجد الغرب باستهداف القومية العربية وسيلة لتحقيق أجنداته التخريبية والتفتيتيه، لما تجسده العروبة والقومية من حالة حضارية وثقافية وإنسانية جامعة ساهم فيها كل من وُجد في هذه الأرض دون استثناء، ومن هنا فإن العروبة بكل ما تنطوي عليه من معاني السيادة والحضارة، كانت أحد المحاور الرئيسية التي تناولها السيد الرئيس بشار الأسد خلال مشاركته في الاجتماع الدوري الموسع الذي عقدته وزارة الأوقاف للسادة العلماء والعالمات في السابع من هذا الشهر بجامع العثمان بدمشق .
وبهذا المعنى فالعروبة لا تقوم على دين أو عرق محدد، وإنما أساسها اللغة والجغرافية الواحدة والتاريخ والمصالح المشتركة، وهذا الفهم الحقيقي للعروبة هو الذي تتبناه سورية، بالتوازي مع الإدراك العميق لأهمية الارتباط بين العروبة والإسلام .
والموقف القومي الذي تمثله سورية في دفاعها عن القضايا العربية وخاصة القضية الفلسطينية، هو المستهدف من كل الطروحات التي تروج لها عواصم الغرب ومراكز البحث ووسائل الإعلام والدعاية الغربية وأتباعها في منطقتنا، ومن هنا فإن عملية تسييس الإسلام أمر مرفوض سورياً، لما يحمله هذا التسييس من مخاطر على المجتمع العربي وبنيته الداخلية.
ولأن سورية خارج لعبة الإسلام السياسي راحت الحملات المعادية تستهدف الدين الإسلامي الحنيف والمعتدل، والمبدأ القومي الذي ينادي بحرية العرب ووحدتهم، فبدأت هذه الحملات بدءاً من التشكيك بعروبة سورية وبلاد الشام والمنطقة العربية بشكل عام، وبعروبة القرآن أيضاً وصولاً إلى التشكيك بعروبة الرسول الكريم.
والرد المنهجي على هذه الطروحات المشبوهة مبني على حقائق التاريخ والجغرافية، وهو أن العرب متواجدون في هذه المنطقة في بلاد الشام منذ عشرة قرون قبل الميلاد على الأقل، كما أن قريشاً عندما وصلت إلى سورية حاملة معها رسالة الإسلام الجديدة قامت ببناء دولة بأبناء هذه المنطقة من العرب، امتدت من المحيط الأطلسي إلى أواسط آسيا، أما فيما يخص التشكيك بعروبة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، فانه لا داعي للرد عليه، لأن الرسول ينتمي لقريش فهو مضري وهو عربي قح من العدنانيين .
ولأنه لا يمكن فصل الحديث عن عروبة الرسول عن الحديث عن عروبة القرآن، وعن عروبة المجتمع، لذلك يتم استهداف فكرة العروبة من أعداء الأمة العربية، والغاية من ذلك هو إحلال العناصر التفريقية المختلفة محل هذا العنصر الجامع، لأنه يشكل مصدر قوة في وجه الآخر الذي يعمل ليلاً ونهاراً لإضعاف الرابطة التي تجمع العرب وتوحدهم .
فالحديث عن العروبة يأتي دائماً بالمعنى الحضاري وليس بالمعنى العرقي، ولو أنها بالمعنى العرقي لما دافع عنها أحد، فهناك الكثير من الأعلام والشخصيات التاريخية التي دافعت وتدافع عن العروبة وهي ليست من عرق عربي، والمعنى الحضاري للعروبة المقصود به معنى التنوع، من حيث أنه فيه ثقافات متنوعة وفيه أعراق متعددة وهذا دليل قوة ودليل غنى، وجميع هذه المكونات الثقافية تشكل حضارة واحدة هي الحضارة العربية الإسلامية.
وأخيراً فإن سورية وبلاد الشام والوطن العربي منطقة عربية بالهوية وستبقى كذلك، ومن يعتقد أنه ببعض الخواطر على الانترنت أو ببعض المقالات أو ببعض الدراسات أو ببعض الكتيبات أو ببعض المجلدات يستطيع أن يغير هوية شعبها فهو خاطئ وواهم.