وسط الهجوم العدواني الكبير الذي يستهدف وجودنا في هذه المنطقة المباركة، وفي وسط إعلان الغرب الاستعماري عن أهدافه في القضاء على هذا النموذج المتكامل لشعبنا، وفي خضم الحرب المستمرة استعاراً لما يقرب السنوات العشر بأدوات واضحة وأساليب مختلفة يتم الإعلان عنها بوقاحة وفجور، ومع تواصل المعركة الإعلامية الكاذبة برواياتها المختلقة وتقاريرها المفبركة، يقع البعض أحياناً أسرى تلك الأباطيل وينجر خلف تصريحات تأتي من تلك الدوائر الاستعمارية ونسمع لتعابير ومصطلحات تنتجها الغرف السوداء في أقبية الاستخبارات الأميركية والصهيونية والأوروبية الاستعمارية، فيسارع بعضنا إلى تبنيها ومناقشتها وكأنها حقيقة مطلقة، ويضيف إليها اتهامات لمجموعات وفئات لتدخلها في بوتقة واحدة وفي توصيف واحد غير قابل للبحث أو النقاش.
وفي ظل هذه المتاهة نجد أصحاب المواقف الشخصية، ممن يتحركون بالتوازي مع الفاسدين والمفسدين وتجار الحروب والأزمات الذين لا يهتمون لبنية الوطن ويركزون على حجم المنافع الآنية التي يجنونها، أو يحاولون الرد على مواقف ضيقة فيلجؤون لتصفية حسابات شخصية دون إدراك لحجم المخاطر ومنعكساتها على بنية المجتمع.
لقد أظهرت الأيام أن المعركة الإرهابية الغربية ضدنا ما زالت مستمرة بشكلها الثقافي بصورة متوحشة إضافة إلى استمرار العدوان بمختلف أشكاله وصولاً إلى الإجراءات أحادية الجانب المعروفة زوراً وبهتاناً باسم قانون قيصر سيئ الذكر.
لقد عاش السوريون زمناً طويلاً يمتد لبداية البشرية في حالة لم تعرف الفرقة بالمعنى الذي عاشته مجتمعات خاضت حروباً أهلية نتيجة حالات تعصب عرقي أو إثني أو ديني أو مذهبي، بل على العكس تماماً كانت سورية المساحة الحضارية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية القادرة على تطويع المتناقضات، فكيف الحال بالمتقاربات والأمور المتناغمة والأفكار ذات الجذر الواحد والأصول ذات المعين الواحد والمنبع الأصيل، الأمر الذي يستدعي منا استنفاراً وطنياً وفردياً انطلاقاً من مبدأ الدفاع عن الذات في مواجهة التحديات والأخطار الخارجية، وهذه الأساليب المصاغة خارجياً تستهدف تخريب العقل الوطني واستلاب آليات تفكيره الصحيح وضرب عوامل التكامل الاجتماعي بعضها بعضاً ، فهل نسمح لآليات الدمار والتخريب بالعمل في هذا الإطار الفكري والعقائدي ليخلق ظروفاً كاذبة يتم البناء عليها لإحداث المزيد من العداء بما يفتح الباب لعداوات مستقبلية أكثر سوءاً مما نتصور؟.
عرف السوريون الكثير من محاولات التفريق سواء خلال مرحلة الاحتلال العثماني أو الفرنسي، لكنهم لم يقعوا فريسة تلك الأضاليل، وفي كل مرة كانوا يتجاوزونها بالمزيد من التلاحم والتوافق انتصاراً لنموذجهم السوري الذي ارتضوه في ثقافة جامعة توحد ما ائتلق من معتقدات وثقافات فقد كان المعتدون يخسرون دوماً أمام هذا النموذج السوري المتكامل ولنا الكثير من الأمثلة وهي ستكون حاضرة اليوم بالتأكيد وبصورة أكبر.
معاً على الطريق-مصطفى المقداد