بينما تتذوق فنجان قهوتها الصباحي في مكان جديد، لم تتوقع يوماً أنها ستقيم فيه، لم تشعر بطعم لها، هل هي حقاً قهوتها المعتادة حملتها إلى الموقد مجدداً، مع بضع حبات من التمر، اشترتها بالأمس وكأنها تشتري قطعة مجوهرات ..يا لهذا الغلاء الرهيب…!.
حاولت الاحتيال على تشتت أفكارها، فراشة قربها تحلق اعتبرتها فأل خير، حركة بسيطة جعلت قهوتها تنسكب على السجاد،أيضاً فأل خير…!.
الهاتف يرن، وهي تمسح القهوة المسكوبة…حين رأت الرقم، تركت كل شيء وأسرعت إلى هاتفها الأبيض، أمسكت به كان المتصل قد أقفل، عاجلته باتصال سريع.
على ما يبدو أنه غادر…قالت في سرها..!.
بدا المكان الذي وصلت إليه منذ الأمس غريباً عنها كلياً..كأنها لم تسكنه يوماً، الأصوات العالية التي كانت تسمعها خارجاً…أصوات الباعة يعرضون بضاعتهم الموسمية ويحاولون أن تكون أرخص من المحلات.
ظهر أمس..حاولت أن تلحق بأحدهم لم تتمكن كعادتها، ينادون وهم على متن سيارات (السوزوكي) وكأن علينا أن نلحق بهم، أو ننتظر قدومهم كأننا في موعد عزيز.
وهي تهم بإقفال باب منزلها الحديدي، اصفر وجهها عاد إلى ذهنها مشهد عاشته قبل حوالي عشر سنوات، وحضرت الأصوات كأنها تسمعها للتو، سرعان ما نفضت رأسها، ضمت يديها بعزم…وخوف..!.
أغلقت الباب وجلست على نفس الزاوية التي لطالما جلست عليها قبل عشر سنوات، بدا كأنها تسمع الاحاديث نفسها، و ترى الشخصيات ذاتها.
كل تلك التفاصيل لم تؤثر بها، جلست ببرود لم تعشه يوماً، فجأة بدت بدون جملة عصبية!.
حين استيقظت في اليوم الأول لدخولها المنزل، وذهبت باتجاه عملها بدا كل شيء مختلفاً!.
منظر الازدحام..الغلاء…البرد، مناظر الناس وهي تدخل الشتاء بملابس قديمة…وخفيفة…
كل شيء بدا معكوساً، مقلوباً…مهموماً.
حتى تطمئن أنها ليست وحدها، سألت الجالسة أمامها…عن أحوالها ثم داهتمها بسؤال هل تشعرين أن لا شيء له معنى أو طعم.
بدون مقدمات بدأت دموعها تنهمر..لتبدو رحلتها اليومية التي تستغرق عادة ربع ساعة، كأنها تستغرق دهراً، وهي تحكي لها كيف فقدت كل شيء حتى ابنها..منزلها… ندمت على سؤالها وانتبهت الى الترف الذي تعيشه وهي في خضم التشرد…!.
ما إن نزلت من الحافلة التي تقلها…حتى بدلت طريقها، لن تتمكن من الدخول، كل هذه التعاسة التي اختزنتها، لابد لها من تصريف..!.
وهي في طريق عودتها إلى منزلها…استغربت أن خوفها قد زال..!.
رؤية – سعاد زاهر