الثورة أون لاين – ترجمة: ختام أحمد:
شكلت هجمات 11 أيلول أولى مراحل سقوط القوة العسكرية الأمريكية على مستوى العالم بسبب الهمجية في ردة الفعل ، ما فتح الطريق لعصر جديد ، حيث دخلت الولايات المتحدة في حروب عديدة في كل مكان بالعالم – ربما يكون من الصعب على الأشخاص الذين ولدوا منذ 11 أيلول أن يتخيلوا مدى ، وكم تغيرت الأشياء بعد ذلك التاريخ ، كانت هذه الدولة قد شنت بالفعل حرباً .. على عدو مفترض ، وزير الدفاع آنذاك دونالد رامسفيلد قال “إن العدو لم يكن في أفغانستان فقط” ، بل في “50 أو 60 دولة ، ويجب ببساطة القضاء عليه مهما كان الثمن” .
بعد خمس سنوات وحربين لا تنتهي أبداً ، وصّفتُ ما كان يسمى آنذاك الحرب على الإرهاب بأنها “صراع أجيال شبيه بالحرب الباردة” وهو نوع الصراع الذي قد يستمر لعقود حيث يعمل الحلفاء على استئصال “الإرهابيين” في جميع أنحاء العالم ومحاربة المتطرفين الذين يريدون حكم العالم ” ، ويبدو أن رامسفيلد كان على حق ، ليس فيما يتعلق برغبات العدو العالمي ، بل بخصوص مدة الصراع وتكلفته .
هنا في الولايات المتحدة ، اعتدنا سريعاً على أن نكون “في حالة حرب” ، في الأشهر القليلة الأولى ، غالباً ما واجه مسافرو الحافلات والقطارات بين الولايات نوعاً جديداً وسخيفاً من “المسرح الأمني” ، من إذلال المواطنين خلال تفتيشهم حيث وصل الأمر إلى ألبستهم الداخلية بحثاً عن المتفجرات ، وكان هذا في كل وقت الحرب ، ولكن بشكل رئيسي في المطارات – هذا في داخل البلاد – أما خارجها فكان الوضع أكثر سوءاً ، ممارسات تعذيب وكالة المخابرات المركزية في ” المواقع السوداء ” حول العالم ، وأهوال السجون العسكرية كقاعدة باغرام الجوية في أفغانستان ، وسجن أبو غريب في بغداد ، و مجمع سجن لا يزال يعمل في خليج غوانتانامو ، بكوبا ، وبعد فترة وجيزة أصبح المئات ثم الآلاف من الناس في حربي العراق وأفغانستان بلا مأوى ، استمرت الحروب بتكلفة كبيرة ، وخسائر كبيرة على مدى طويل واكتسبت أسماء جديدة مثل “الحرب الطويلة” أو “الحروب إلى الأبد” ، ولكن بصرف النظر عن سرقة ما لا يقل عن 6.4 تريليون دولار حتى أيلول 2020 ، والتي كان من الممكن استثمارها محلياً في الرعاية الصحية والتعليم والبنية التحتية أو معالجة الفقر وعدم المساواة ، وبصرف النظر عن إنشاء قوات شرطة محلية ذات طابع عسكري بشكل متزايد ومسلحة بشكل أكثر فتكاً من قبل البنتاغون ، تلك الحروب الدائمة ، لم يكن لها تأثير واضح على حياة معظم الأمريكيين .
لكن إذا كنت تعيش في أحد الأماكن التي كانت تدور فيها هذه الحروب منذ 19 عاماً ، فإن الأمور ستكون مختلفة كثيراً ، ثمة تقدير متحفظ لإحصاء الجثث في العراق يضع الوفيات العنيفة بين المدنيين في ذلك البلد وحده بين 454185 و493208 وفاة ، ويشير مشروع تكاليف الحرب في جامعة براون إلى أن العدد الحقيقي أكبر بكثير من هذا ” هذا غير أعداد المدنيين العراقيين الذين ماتوا عدة مرات كنتيجة غير مباشرة للحرب ، بسبب الأضرار التي لحقت بالنظم التي توفر الغذاء والرعاية الصحية ومياه الشرب النظيفة، ونتيجة لذلك كثرت الأمراض المعدية وسوء التغذية ولم يتم تجنبها أو علاجها ” وهذا فقط في العراق .
ومرة أخرى ، وفقاً لمشروع تكاليف الحرب فقد “قُتل ما لا يقل عن 800 ألف شخص بسبب عنف الحرب المباشر في العراق وأفغانستان وسورية واليمن وباكستان .” بالطبع ، أصيب عدد أكبر بكثير من هؤلاء الأشخاص بجروح وبإعاقات ، وقد أدت حروب أمريكا بعد 11 أيلول إلى نزوح ما يقدر بنحو 37 مليون شخص من ديارهم ، ما تسبب في أكبر نزوح بشري منذ الحرب العالمية الثانية .
يشعر الناس في هذا البلد بالقلق بشأن الآثار السلبية للتعليم عبر الإنترنت على الأطفال الأمريكيين وسط أزمة Covid-19 المستمرة (خاصة الأطفال الفقراء وأولئك في المجتمعات الملونة) .
تخيل إذاً الآثار المترتبة على تعليم الطفل لفقدان منزله وبلده ، وكذلك أحد الوالدين أو كليهما ، ثم نشأته باستمرار أثناء التنقل أو في مخيم لاجئين مكتظ يعاني من نقص الموارد ، لقد أصبحت الحرب على الإرهاب حقاً حرباً على الأجيال ، وقد استمرت حروبنا هذه لما يقرب من عقدين من الزمن ، كل ورم خبيث جديد تم تبريره من قبل جورج دبليو بوش ، ثم استخدام باراك أوباما لترخيص (AUMF) والذي أقره الكونغرس في الأيام التي تلت هجمات أيلول
في الواقع ، اقتصرت لغته على العمل العسكري الرئاسي في الرد المباشر على هجمات 11 أيلول ومنع الهجمات المستقبلية من قبل نفس الجهات الفاعلة ، وذكرَ أن الرئيس ” مخول باستخدام كل القوة اللازمة والمناسبة ضد تلك الدول أو المنظمات أو الأشخاص الذين يتهمهم بالتخطيط أو السماح أو المساعدة أو ارتكاب الهجمات ، أو الدول التي آوت التنظيمات أو الأشخاص الذين نفذوا ، من أجل منع أي أعمال إرهابية دولية مستقبلية ضد الولايات المتحدة من قبل هذه الدول أو المنظمات أو الأشخاص ” ، وعلى الرغم من النطاق المحدود ل ـ AUMF ، فقد استخدمه الرؤساء المتعاقبون لتبرير العمل العسكري في 18 دولة على الأقل ، (لكي نكون منصفين ، أدرك الرئيس أوباما عبثية وضعه عندما أرسل قوات أمريكية إلى سورية وحاول انتزاع تفويض جديد من الكونغرس ، إلا أن الأغلبية الجمهورية التي لم تكن لتلعب معه) أي أعاقته .
في عام 2002 ، في الفترة التي سبقت حرب العراق ، أقر الكونغرس قانون إدارة القوات المسلحة الثاني ، والذي سمح للرئيس باستخدام القوات المسلحة باعتبارها “ضرورية ومناسبة” من أجل “الدفاع عن الأمن القومي للولايات المتحدة ضد التهديد المستمر الذي يشكله العراق” . في كانون الثاني 2020 ، استخدم دونالد ترامب هذا التفويض الثاني لتبرير اغتيال قاسم سليماني ، وهو جنرال إيراني ، مع تسعة أشخاص آخرين بطائرة مسيرة في مطار بغداد .
في عام 2016 ، كان نشطاء السلام يستعدون لمواجهة إدارة هيلاري كلينتون التي توقعنا أنها ستواصل نسخة أوباما من الحروب إلى الأبد – ” زيادة ” في أفغانستان ، وحملات الاغتيال بطائرات بدون طيار ، والعمليات الخاصة في أفريقيا ، لكن يوم الثلاثاء ، 8 تشرين الثاني 2016 ، حدث شيء ما في الليل وتولى دونالد ترامب الرئاسة بوعد بإنهاء حروب هذا البلد إلى الأبد ، والتي انتقدها بلا هوادة خلال حملته الانتخابية ، هذا بالطبع لا يعني أنه كان علينا توقع العودة للسلام في أي وقت قريب ، كما كان ملتزماً بإعادة بناء جيش أميركي مفترض أنه “منهك” كما قال في مؤتمر صحفي عام 2019 ، وأشار خبير البنتاغون مايكل كلير مؤخراً ، إلى أن ترامب سيرغب في إنهاء الحروب إلى الأبد وزيادة الإنفاق العسكري ، فإن أفعاله كانت غير منطقية بالفعل وبعكس ما قاله .
يشير كلير إلى أنه بعد ما يقرب من عقدين من الزمن دون نص ر، قرر البنتاغون إلى حد كبير خفض مرتبة الإرهاب الدولي من الوحش الهائج إلى سحابة البعوض المزعجة ، وبدلاً من ذلك ، يجب على الولايات المتحدة أن تستعد الآن لمواجهة صعود الصين وروسيا ، بعبارة أخرى يجب على الولايات المتحدة الاستعداد لخوض حروب قصيرة ولكنها مدمرة في مجالات متعددة (بما في ذلك الفضاء والفضاء الإلكتروني) ، وربما تنطوي على استخدام أسلحة نووية تكتيكية في قارة أوراسيا ، ولهذه الغاية ، بدأت البلاد بالفعل في تجديد كبير لترسانتها النووية ، وأعلنت خطة جديدة مدتها 30 عاماً لتعزيز قدرتها البحرية .
ونادراً ما يفوت الرئيس ترامب فرصة للترويج لإنشاء قوة فضائية جديدة ، وفي غضون ذلك ، هل أوفى بالفعل بوعده ، أو على الأقل هل أنهى تلك الحروب الأبديةة؟ ليس صحيحاً ، لقد وعد بإعادة جميع القوات الأمريكية إلى الوطن من أفغانستان بحلول عيد الميلاد ، لكن وزير الدفاع بالوكالة كريستوفر ميللر قال مؤخراً أننا سنبقي حوالي 2500 جندي هناك وعدد مماثل في العراق ، على أمل أن يكونوا جميعاً في الخارج بحلول أيار 2021 (بمعنى آخر ، ألقى بتلك الحروب في حضن إدارة بايدن المستقبلية) وفي 20 كانون الثاني2021 سيصبح جو بايدن رئيساً لدولة تنفق على قواتها المسلحة أكثر من عشر دول مجتمعة ، سيرث مسؤولية دولة لها وجود عسكري في 150 دولة وانتشار عمليات خاصة في 22 دولة أفريقية .
سيُترك للإشراف على الحروب التي لم تنته بعد ، وغير الناجحة للغاية في العراق وسورية وأفغانستان واليمن والصومال ، وكما ذكرت وزارة الدفاع علناً ، هناك 187 ألف جندي متمركزين خارج الولايات المتحدة ، ربما يمكن لأهوال عام 2020 – الحرائق والأعاصير وهجمات ترامب الشرسة على الديمقراطية والموت والمرض والاضطراب الاقتصادي الناجم عن Covid-19 – أن تفرض محادثة حقيقية حول الأمن القومي في عام 2021 ، ربما هذه المرة يمكننا أن نتساءل أخيراً عما إذا كان هناك محاولة دعم إمبراطورية محتضرة تجعلنا أكثر أماناً ، هذه أفضل فرصة لبدء تلك المحادثة ، البديل هو الاستمرار في السير بلا مبالاة نحو الكارثة.
Responsible Statecraft
بقلم : ريبيكا جوردون