الثورة أون لاين – لميس علي :
ذكر أحدهم أننا نخشى البقاء لوحدنا لأن ثمة ما نخاف منه لدى مواجهة ذواتنا .. وكأننا نهاب التعرف عليها أكثر .
إن كان الحال على هذا النحو، ماذا عن غرفة فرجينيا وولف تلك التي تخص المرء وحده ..؟
يبدو أنها تختص بإنتاج كل ما هو جمالي، إبداعا كتابياً أو فنياً .. وبالتالي تكون وسيلة لملاقاة الأفكار الخلاقة ولا شيء غيرها .
“كل كتاب هو صورة للعزلة”، ويتابع الروائي الامريكي بول أوستر كلامه في كتاب (اختراع العزلة) : “إنه شيء ملموس ويستطيع المرء التقاطه” .. إذاً الإبداع يحيل العزلة إلى حالة ملموسة .. كل حالة إبداعية هي نوع من عزلة .. هي محصلة عزلة مبدعها .. وكأنها تمثل نوعاً من اختراق هشاشة الوجود، ذاك الاختراق الذي تبتكره الذات الخلّاقة وتختبئ خلفه .
تعرّف حنا أرندت الوحدة بقولها : “نوع من الخلاء حيث يشعر المرء بأنه مهجور من الدنيوية والرفقة الإنسانية حتى حين يكون مُحاطاً بالآخرين” ..
ثمة فرق واضح بين الحالين، بما في الأولى من ميزة إيجابية، وبين ما يعطيه الثاني من ملمح يتقاطع وسلبية الوضع الإنساني المعاش .
الأولى اختيارية بينما الثانية تبتعد عن واقع الاختيار، كنوع من حالة شعورية تفرض دون أن يكون ثمة خيار لصاحبها سواها .
بين وحدتنا وعزلتنا، أيهما تمثل مرآتنا اللامرئية.. التي تعكسها هشاشة وجودنا، كقشرة خارجية تظهر عري ما ندعيه من تماسك وقوة ..؟
يماهي الكثير من الأدباء بين معنى العزلة وضرورتها لإنجاز أعمالهم الإبداعية .. لصياغة ما يجول في أفق تفكيرهم من حالات إبداع يصعب النيل منها دون “العزلة” .. ولهذا هي حالة إيجابية ضرورية لإكساء الذات بعضاً من بريق ألقها الخلاق بهيئة تتمظهر بأحد أشكال الأدب أو الفنون أو حتى التأليف الفكري الفلسفي، كما حنا أرندت .
ميزت أرندت بين كل من العزلة والوحدة .
ذكرت مرة لزوجها : “أنا وبكل بساطة، لا أستطيع الظهور على الملأ خمس مرات في الأسبوع، أي عدم مبارحتي عيون المتفرجين ، أشعر أن علي الذهاب للعثور على نفسه” .
ويبدو أن أداتها في العثور على نفسها كانت عبر عزلتها مع نفسها .. أن تحصل على فضائها الخاص مع ذاتها، اللازم للتفكير .
وأوضحت ما الفرق بين الوحدة والعزلة قائلة : “ليسا نفس الشيء .. أن أكون معزولة في الحالة التي لا أكون فيها قادرة على التفاعل مع الناس، قد لا يتفاعل معي أحد ، ومع ذلك لا أكون وحيدة ، أما في الوحدة فقد أشعر أنني أحيا في عالم خال إلا مني، على الرغم من وجود وسط الناس” .
ملمح تباين يبدو بين الحالين .. فالعزلة تحتاج أن تكون لوحدك، بينما الشعور بالوحدة يزداد اطراداً بوجود الآخرين .
في الأمرين، نتلمس نوعاً من مرآة لامرئية ترصد تحولات النفس البشرية في أدق تقلّباتها، وربما صراعاتها .. وهو ما يسمح بتصوير تجربة تغتني بتجاور وضعين مختلفين .
لكن سيرورة كل منهما، من الجميل والضروري أن تُخترق أو تدعّم بوجود الآخر، من فترة لأخرى .
حنا أرندت التي تاهت في العثور على نفسها بوجود الآخرين تكتب لزوجها : “من فضلك أكتب لي على نحو دوري، والا سأموت”