الثورة أون لاين- ترجمة ليندا سكوتي:
في الوقت الذي تتوجه به “إسرائيل” إلى إجراء انتخابات رابعة في غضون سنتين إثر انهيار حكومتها، أخذ الإسرائيليون يتساءلون فيما إذا كانت هذه الانتخابات ستكون أكثر ديمقراطية من سابقاتها الثلاثة التي لم تنتهِ بها عمليات الاقتراع على نحو حاسم، إذ لم يتمكن أي مرشح من حشد الأغلبية البرلمانية المطلوبة لتشكيل الحكومة، الأمر الذي أتاح لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، زعيم حزب الليكود المحافظ، إقناع منافسه بيني غانتس، رئيس حزب أزرق أبيض الوسطي، بالانضمام لتشكيل ائتلاف لم يستمر سوى سبعة أشهر فقط، وحالياً يصارع نتنياهو من أجل بقائه السياسي، في حين تجري محاكمته بتهم رشوة واحتيال وخيانة الثقة في خضم انتشار كورونا التي ألحقت أضراراً بالغة بالاقتصاد الإسرائيلي .
وسنعرض ما يجب معرفته حول استعداد “إسرائيل” لعقد انتخابات أخرى في 23 آذار المقبل .. لماذا تعقد الانتخابات؟… يرى محللون أن السبب الرئيس لعقد الانتخابات يكمن في حسابات نتنياهو القانونية والسياسية، لكونه يرغب في التعاطي مع القضية الجنائية المنسوبة إليه من موقعه في مكتب رئيس الوزراء، وهو على استعداد لأخذ “إسرائيل” من انتخابات إلى أخرى سعياً منه للتمسك بالسلطة.
من الناحية التقنية، سقطت الحكومة الأخيرة نظراً لرفض نتنياهو تمرير ميزانية عام 2020 بحلول الموعد النهائي في منتصف ليل الثلاثاء، وانتهاكه الاتفاقية المبرمة مع غانتس، وهو يراهن على قدرته في تشكيل حكومة أكثر دعماً له ما يمكّنه من تحصين نفسه من الملاحقة القضائية، ولاسيما أنه من المقرر محاكمته بالفساد في مرحلة تقديم الإثباتات والأدلة أوائل العام المقبل، وسيشهد الجميع مثوله أمام القضاء .
يوجه نتنياهو أصابع الاتهام لغانتس فيما يتعلق بانهيار حكومة الائتلاف قائلاً : إنه وحزبه (أزرق أبيض) رفضا السماح له الإدلاء بأي رأي في سلسلة التعيينات الحكومية والقضائية المقبلة غير أن استطلاعات الرأي تشير إلى أن غالبية الإسرائيليين يلقون باللائمة على نتنياهو .
وفي هذا السياق، يقول يوحنا بليسنر، رئيس معهد “الديمقراطية الإسرائيلية”، المنتسب للمجموعة البحثية غير الحزبية: “هناك سحب من الدخان، إلا أنه يجب علينا تحقيق العدالة والتزام الشفافية والوضوح بشأن هذه القضية التي لن تنتهي إلى حين تنصيب رئيس بدلاً من نتنياهو أو أن يجد لنفسه مخرجاً بالمناورة القانونية أو السياسية” .
ماذا حدث في الانتخابات الثلاثة السابقة ؟.. خلال عمليات الاقتراع الثلاث الفائتة جرت مواجهة بين نتنياهو وغانتس، رئيس الأركان السابق الذي ولج المعترك السياسي قبل عامين، فدخل نتنياهو الأطول عهداً في “إسرائيل” الانتخابات بقاعدة محافظة وخبرة واسعة، بينما دخل غانتس، رئيس حزب أزرق أبيض الوسطي، بوعود تتمثل بتحقيق “الوحدة الوطنية” وسيادة القانون .
نجم عن انضمام الأحزاب الصغيرة إلى أحزاب يمينية متشددة أو أحزاب يسارية وسطية كتلتين، وبعد إخفاق عمليتين انتخابيتين في إفراز حكومة مستقرة، اتفق نتنياهو وغانتس على تشكيل حكومة ائتلافية في الجولة الثالثة، مع الإشارة إلى الحاجة الماسة للتركيز على معالجة الواقع الصحي الناجم عن كورونا وما أفضت إليه من أزمة اقتصادية .
بيد أن اتفاق الائتلاف المبرم نص على التناوب بينهما على منصب رئيس الوزراء، ومن المقرر أن يتولى غانتس المنصب بعد نتنياهو في شهر تشرين الثاني عام 2021، علما أن كثيرين، ومنهم غانتس، يعتقدون أن نتنياهو لن يتخلى عن منصبه.
هل الجولة الرابعة مختلفة عن سابقاتها ؟..
أشارت استطلاعات رأي جرت قبل أسابيع عدة إلى أن نتنياهو قد يكون بوضع جيد يمكنه من تشكيل حكومة جديدة مؤلفة من حلفاء يمينيين موالين وأرثوذكس متشددين، ولكن دخل إلى الحلبة السياسية منافس محافظ جديد وهو جدعون سار الذي أعاد تنظيم الخريطة الانتخابية متحدياً قاعدة نتنياهو .
سار الذي خسر أمام نتنياهو في سباق زعامة حزب الليكود قبل عام انشق عن الحزب، مؤسساً حزباً منافساً أطلق عليه اسم “الأمل الجديد”، مستقطباً بعض أعضاء الائتلاف، وقد أطلق مُشرع الليكود والموالي لنتنياهو، أوسنات مارك، على حزب “الأمل الجديد” تسمية “حزب الخونة والمنشقين”.
لقد خسر غانتس تأييده الشعبي إثر انضمامه إلى نتنياهو، ونكوثه عما قطعه من وعود، لذلك فمن المرجح أن تكون المعركة الرئيسة لاستلام سدة الرئاسة بين أحزاب اليمين في المرة المقبلة .
وكشفت استطلاعات الرأي منذ ترشح سار بأن الطريق لن يكون ممهداً أمامه لتشكيل الحكومة نظراً لعدم قدرة أي حزب بمفرده أن يظفر بأغلبية مطلقة في برلمان يتألف من 120 مقعداً، ولذا فإنه يجب على الأحزاب الأكبر الانضمام بأعضائها إلى الأحزاب الصغرى لتشكيل ائتلاف حيوي، علماً بأنه إذا لم يحظَ أي مرشح بأغلبية برلمانية قوامها 61 مقعداً في هذه المرة، فستشهد “إسرائيل” أزمة سياسية متواصلة .
واللافت أن انتخابات آذار المقبل ستحمل في طياتها خطراً جسيماً بالنسبة لنتنياهو الذي بذل محاولات مستميته لإرجاء الموعد النهائي للميزانية البرلمانية بعد انشقاق سار .
ثمة عقبة أخرى تواجه نتنياهو لكونه سيطرح نفسه للناخبين دون دعم أو هدايا سياسية يقدمها الرئيس ترامب الذي يعد أقرب حليف دولي له، وسيكون لزاماً عليه التعاطي مع إدارة بايدن التي تتولى السلطة في شهر كانون الثاني المقبل .
ولكن بحوزة نتنياهو ما يتشدق به، ولاسيما أنه تمكن بمساعدة ترامب من عقد صفقات متعددة وأقام خلال الأشهر الأربعة الماضية علاقات دبلوماسية مع أربع دول عربية وتعهد شخصياً بتأمين ملايين الجرعات من لقاح فيروس كورونا، وقد صرح في خطابه المتلفز قائلاً : “ستكون “إسرائيل” من الأوائل في التخلص من أزمة كورونا” .
قد تتعرض “إسرائيل” لضغوط بغية الحد من النشاط الاستيطاني في الضفة الغربية المحتلة، بعد تسلم إدارة بايدن زمام السلطة، وفي مختلف الأحوال، فلن تكون الانتخابات المقبلة أفضل حالاً من سابقاتها، بل إنها ستشهد منافسة واسعة بين “نتنياهو منفرداً” و “شخص آخر” من معسكره .
المصدر : نيويورك تايمز