تعودنا منذ الصغر أن يكون جلّ الاهتمام والاحترام هو لمقام الجد والجدة إن كانا يعيشان ضمن الأسرة أو يقيمان لوحدهما حسب رغبتهما، وبالتالي فإن أي تقصير كان يحصل تجاهما، سرعان مايتفاداه الأب والأم بلغة التوجيه الصحيح الحازم، والتأديب السليم لأنهما بالعرف الاجتماعي والسلوك الأسروي هما بركة المنزل والدار، يمتلكون خبرة الحياة، وتجارب الأيام، التي عصفت بهم في سنوات الوفرة والندرة على السواء.
معظمنا يتذكر كيف أن بيت الأجداد كان مقصداً سياحياً للطفولة وموقعاً خاصاً لليفاعة، وذاكرة تراث وحكايا جميلة مازالت قابعة وراكنة، تغدو وتروح صوراً ومشاهد مليئة بالحب والتأثير العاطفي والوجداني.
فما يميز الأسرة في مجتمعنا بشكل عام هو ذاك الرباط الدافئ الرحيم في شرايين صلة الرحم من أهل وأقرباء وجيران.. فمن النادر أن ترى أحداً ما يتأفف من والديه أو جديه، وإذا ماحصلت فهي كالمعصية لاتغتفر ويحاسب كلّ من يفعلها صغيراً كان أم كبيراً، لذلك كله كانت العائلة تحرص في تربية أبنائها على قواعد الحنان ودستور الفضيلة، وإظهار خصائص التربية المسؤولة مايجعل العلاقات الاجتماعية وثيقة ومترابطة تنعكس إيجاباً على كلّ مظاهر الحياة وتفاصيلها المختلفة خيراً وأماناً واطمئناناً في أحلك الظروف وأمتعها.
لكن يبدو واقع الحال قد تغير في السنوات الأخيرة من قرننا الحالي، حيث سادت تراكمات فوضى الزمن وتعميم ثقافة الاغتراب الداخلي والتشريد بحجة العمل والضيق المادي، ورأينا إلى وقت قريب كيف بات البعض يتخلى عن هذه العاطفة النبيلة ويترك الوحدة والنسيان والقهر النفسي يخيم على حياة كبار السن من أب وأم وجد وجدة إن بقي هؤلاء على قيد الحياة يتوهون على أرصفة المبرين والبارين، وأسرّة دور ومأوى العجزة لمن استطاع إليه سبيلا..
لعلها تقنيات التربية الحديثة التي لعبت على تعزيز مفهوم الأنا متخطية مصلحة الجماعة مهما كان توصيفها من باب الأسرة إلى بوابات المجتمع.
عين المجتمع -غصون سليمان