تجديد الثقافة العربية لا يعني التغريب

 

الثورة أون لاين:

المفكر والمربي الراحل عبدالله عبد الدائم، أحد أشهر المنظرين في الفكر القومي والتربوي، والناقد الذي يقرأ بعين الأصالة حال الثقافة العربية قديماً وحديثاً، ترك إرثاً فكرياً مهماً جداً ما أحوجنا اليوم إليه، وهنا لا بد أن نشير إلى أن صحيفة الثورة كانت منبراً مهماً للتواصل مع المفكر الراحل الذي قدم الكثير من خلاصات دراساته الفكرية لها، ولا سيما حول الثقافة والعولمة، وضرورة العمل على تجديد الثقافة العربية من داخلها.
اليوم نحتاج استعادة الفكر الذي يقود إلى مساحات كبيرة في النقد البناء من خلال الثقافة نفسها، وهو (الدائم ) يعرف الثقافة كالتالي:
التعريف الانثروبولوجي الواسع للثقافة يرى فيها ( جملة النشاطات والمشروعات والقيم المشتركة التي تكون أساس الرغبة في الحياة المشتركة لدى أمة من الأمم، والتي ينبثق منها تراث مشترك من الصلات المادية والروحية يغتني عبر الزمان ويغدو في الذاكرة الفردية والجماعية إرثاً ثقافياً بالمعنى الواسع لهذه الكلمة هو الذي تبنى على أساسه مشاعر الانتماء والتضامن والمصير الواحد).‏
هذا الإرث الثقافي المشترك يغتني عبر الزمان ويتجدد، وكل إرث ثقافي لا يتجدد معروض للتخلف والضعف والموت.‏
وتجديد الثقافة العربية الإسلامية لا يعني ( التغريب) أي مجرد تقليد الغرب، بل يعنى ( التحديث ) تحديث هذه الثقافة العربية الإسلامية من داخلها ومن خلالها ذاتها عن طريق تفاعلها مع الثقافات الأخرى في العصر .‏
ومن هنا نؤمن بضرورة تلاقح الثقافات، ولكننا لا نؤمن بعولمتها، فعولمة الثقافات تعني (تسطيحها) جميعها وتعني القضاء على الألحان المتنوعة التي ينبغي أن تضمها ( سنفونية) الثقافة العالمية الإنسانية المرجوة.‏
وغني عن القول إن الثقافة العربية الإسلامية ثقافة غنية رفيعة وإن عندها الكثير مما يمكن أن يغني الثقافات العالمية المختلفة ويسهم في تطوير ثقافة إنسانية مشتركة، تساعد على خروج العالم من محنته.‏
غير أن هذه الثقافة العربية الإسلامية تحمل في بعض جوانبها الآثار السيئة التي خلفتها فيها قرون من التخلف السياسي والاجتماعي والعلمي، ومن هنا تواجه هذه الثقافة اليوم مشكلات عديدة تعرقل تجديدها منها:‏
أ-عراقة الثقافة العربية الإسلامية، هذه العراقة التي تمنحها القوة والقدرة على البقاء ما في ذلك شك، ولكنها قد تكون أحياناً عبئاً ثقيلاً معرقلاً للتجديد، حين لا تفهم فهماً حياً متجدداً، وحين تنقلب إلى نزعة انكفائية ( زيلوتية)، على حد تعبير (توينبي) فالثقافة كائن حي وهي ككل كائن حي عرضة للضعف والزوال بل الفناء إذا لم تتجدد.‏
ب-ازدهار الثقافة العربية الإسلامية ينتسب إلى ماضيها البعيد منذ ظهور الإسلام بوجه خاص، وأوج تفتحها الحضاري انقضت عليه خمسة قرون على أقل تقدير (إذا اخذنا في الحسبان حضارة الأندلس) وهذه الحقيقة تولد نوعاً من الانتماء الماضوي يصبح التجديد في إطاره أصعب منالاً.‏
ج-المشاركة الجماهيرية في بناء الثقافة العربية الحديثة المرجوة مشاركة لا تزال محدودة جداً.‏
د-محاولات تحديث الثقافة العربية اليوم لا تتم في معظم الأحيان من داخلها.‏
من هنا لا بدّ من جهود جادة لتجديد الثقافة العربية الإسلامية من داخلها.
ومجالات التلاقح والتفاعل بين الثقافة العربية الإسلامية ويبن الثقافة الغربية واسعة رحبة، لا يتسع المجال للتفصيل في عناصرها، وحسبنا أن نشير عابرين إلى مجال ( القيم) وهو مجال قيل فيه الكثير ويتسع لمؤلفات عديدة، وحسبنا-من قبيل المثال- أن نذكر أن بين الذين يتحدثون عن القيم الإنسانية اللازمة لعصر العلم والتقانة، من يؤكد- عن غير دراية منه- أهمية قيم هي على رأس القيم التي أكدتها الثقافة العربية الإسلامية فها هو ذا المفكر الألماني ( هابرماس Habermas) يرى في ( الحوار ) أهم قيمة أخلاقية تصلح لعالمنا الحديث، وها هو ذا زميله المفكر الألماني (جوناس Jonas) يرى في ( المسؤولية) رأس القيم اللازمة لعصرنا.
وهاتان القيمتان ( الحوار والمسؤولية) هما من أبرز القيم التي أكدت عليها الثقافة العربية الإسلامية منذ ظهور الإسلام. والتفصيل في هذا المجال يستغرق الصفحات بل المؤلفات الكثيرة. ( من الامثلة-وهي غيض من فيض- ما ورد في الحديث الشريف ( حول المسؤولية): (الخلق كلهم عيال الله فأحبهم إليه انفعهم لعياله)، وما ورد في حديث شريف آخر: ( كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته)، وما جاء في القرآن الكريم(حول الحوار) : (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن).‏

آخر الأخبار
بمشاركة سورية.. انطلاق فعاليات المؤتمر الوزاري الرابع حول المرأة والأمن والسلم في جامعة الدول العربي... موضوع “تدقيق العقود والتصديق عليها” بين أخذ ورد في مجلس الوزراء.. الدكتور الجلالي: معالجة جذر إشكالي... بري: أحبطنا مفاعيل العدوان الإسرائيلي ونطوي لحظة تاريخية هي الأخطر على لبنان عناوين الصحف العالمية 27/11/2024 قانون يُجيز تعيين الخريجين الجامعيين الأوائل في وزارة التربية (مدرسين أو معلمي صف) دون مسابقة تفقد معبر العريضة بعد تعرضه لعدوان إسرائيلي الرئيس الأسد يصدر قانوناً بإحداث جامعة “اللاهوت المسيحي والدراسات الدينية والفلسفية” الرئيس الأسد يصدر قانون إحداث وزارة “التربية والتعليم” تحل بدلاً من الوزارة المحدثة عام 1944 هل ثمة وجه لاستنجاد نتنياهو بـ "دريفوس"؟ القوات الروسية تدمر معقلاً أوكرانياً في دونيتسك وتسقط 39 مسيرة الاستخبارات الروسية: الأنغلوسكسونيون يدفعون كييف للإرهاب النووي ناريشكين: قاعدة التنف تحولت إلى مصنع لإنتاج المسلحين الخاضعين للغرب الصين رداً على تهديدات ترامب: لا يوجد رابح في الحروب التجارية "ذا انترسبت": يجب محاكمة الولايات المتحدة على جرائمها أفضل عرض سريري بمؤتمر الجمعية الأمريكية للقدم السكرية في لوس أنجلوس لمستشفى دمشق الوزير المنجد: قانون التجارة الداخلية نقطة الانطلاق لتعديل بقية القوانين 7455 طناً الأقطان المستلمة  في محلجي العاصي ومحردة هطولات مطرية متفرقة في أغلب المحافظات إعادة فتح موانئ القطاع الجنوبي موقع "أنتي وور": الهروب إلى الأمام.. حالة "إسرائيل" اليوم