الثورة أون لاين – ترجمة ميساء وسوف:
بعد اندلاع أعمال الشغب في مبنى الكابيتول الأمريكي، عبرت النخب السياسية ووسائل الإعلام الرئيسية في الولايات المتحدة والعالم الغربي بسرعة عن “إجماع” مشترك وهو أن المهاجمين فشلوا في تحقيق أهدافهم، وبمصادقة الكونغرس على فوز جو بايدن في الانتخابات الرئاسية الأميركية، وقالوا بإن الديمقراطية في الولايات المتحدة لا تزال قوية!.
وعلى الفور بدؤوا بتوجيه الاتهامات المضللة إلى الصين، حيث زعم البعض أن “عدو الديمقراطية” سيكون سعيداً برؤية الفوضى في مبنى الكابيتول، في محاولة لاستفزاز الأميركيين وحشد إرادة الشعب لتوحيدهم ضد هذا العدو، حسب ادعائهم.
هذه هي الصورة الحقيقية للضعف السياسي للولايات المتحدة، والتي وباعتبارها القوة العظمى الوحيدة في العالم، من المفترض أن تكون منفتحة ومتسامحة وشاملة في تعاملها مع العالم، يجب أن يكون تطورها وإدارتها هادئة ومنظمة، ويجب أن تستفيد من مواردها المحلية الوفيرة لتحقيق إدارة ذاتية متوازنة، ولكن الآن كلما وقع حادث محلي غير مرغوب فيه، لا تضيّع الولايات المتحدة وقتها لإيجاد طرق مختلفة لإلقاء اللوم على الصين أو روسيا، فروايتها عن التفوق الذاتي وشكاويها المتكررة من الضرر الذي تسببه لها القوى الخارجية مجتمعة يخلق أيديولوجية غريبة للغاية.
كانت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب مصرة على أن الصين صدّرت وباء COVID-19 إلى الولايات المتحدة وأدت إلى إخفاقاتها الكبيرة في السيطرة على الوباء المحلي، والآن وبعد أحداث الكابيتول، تخلت النخب الأميركية الرئيسية عن ترامب، لكن منطقه السياسي في استخدام الصين كبش فداء أصبح حيلة شائعة في واشنطن، وعذراً مسيئاً يُستخدم للترويج لما يسمى بالديمقراطية الأميركية.
أصبحت كيفية التعامل مع الصين سؤالاً إلزامياً يتعين الإجابة عليه في الدوائر السياسية الأميركية، يسعى عدد متزايد من الأشخاص إلى عزل ترامب من رئاسة البلاد، ولكن الحقيقة الواضحة هنا هي أن ترامب نفسه هو من علمهم الطريقة التي يفكرون بها عندما يتعلق الأمر بالصين.
هناك خطأ جسيم حدث في النظام السياسي الأميركي، فالصينيون لا يشمتون على الإطلاق بالفوضى في مبنى الكابيتول، إنهم ببساطة غير راضين عن دعم الولايات المتحدة للغوغائيين الذين هاجموا المجلس التشريعي لهونغ كونغ، ومن وجهة نظر الشعب الصيني، فإن الهجمات في هونغ كونغ وواشنطن متشابهة للغاية، فكلاهما مناهض للديمقراطية ومعادٍ لسيادة القانون.
يأمل الشعب الصيني أن تتمكن النخبة الأميركية من أن تتعلم كيف تضع نفسها في مكان الآخرين هذه المرة، وأن تنهي لعبتها الخبيثة في المعايير المزدوجة، إن صورة الولايات المتحدة انهارت بالنسبة إلى الشعب الصيني، ولكن ماذا عن الأوروبيين؟ ألم تتعرض الثقة بالولايات المتحدة من أعضاء منظمة الصحة العالمية واتفاق باريس للمناخ للخطر؟.
أحداث الشغب في الكابيتول ليست حادثة منعزلة، فقد فشلت الولايات المتحدة أيضاً في كبح جماح كوفيد -19، وعلى الرغم من ذلك، فإن الرئيس المنتهية ولايته ترامب لا يزال يتدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى بغطرسة، وفي الوقت نفسه فإن النخب الأميركية تنكر كل شيء يفعله الحزب الشيوعي الصيني، وهم يعتقدون أنه قدرة الصين المُذهلة للسيطرة على الوباء، وكذلك انتعاش الاقتصاد اللاحق، “غير نظيف” حسب ادعائهم، ولكن إذا قارنا فقط الموضوعية والتسامح في عقليات الجانبين، فإن الولايات المتحدة قد خسرت بالفعل.
إن شعور الولايات المتحدة الهستيري بالتفوق، بالإضافة إلى الصراع المستمر بين المعسكرين السياسيين الرئيسيين يتسببان بتمزق المجتمع الأميركي وانقسامه، فهم يهاجمون بعضهم البعض بشكل دائم، وكل حزب من الحزبين يصوّر الآخر على أنه لا يصلح للقيام بشيء، وفي نفس الوقت هما غير قادرين على القيام بالتفكير العابر للحزبية حول المشاكل الحقيقية لبلدهم، لهذا السبب، تستمر السياسة الأميركية في الدوران في متاهة لا متناهية.
إن شن حرب باردة جديدة ضد الصين لن يساعد الولايات المتحدة على استعادة توازنها السابق، وهي تخدع نفسها فقط عندما تستخدم “الكبرياء الديمقراطي” للتغطية على مشاكلها الحقيقية.
إن الحيوية الحقيقية لاقتصاد أي بلد، ما هي إلا انعكاس للديمقراطية الحقيقية والفعّالة في هذا البلد، فمثلاً وفي ظل انتشار وباء كورونا، كان أداء البلدان في مواجهة هذه الأزمة الصحية العامة، وأعداد الإصابات والوفيات، كلها مؤشرات مهمة عن العمل الإنساني الفعلي، لا تجرؤ الولايات المتحدة على مواجهة هذه الأرقام الضخمة، بينما تتفاخر وتُجاهر بصوتٍ عالٍ بشأن ديمقراطيتها المتقدمة، ومع ذلك، فقد تعرض مبنى الكابيتول للهجوم، كما أنه تم تسجيل ما يقرب من 4000 حالة وفاة بسبب فيروس كورونا خلال 24 ساعة فقط، إلى متى يمكن للنخب السياسية في البلاد أن تستمر في خداع شعبها؟.
والسؤال هنا هل بإمكان واشنطن القضاء على جنون العظمة واستعادة روح العقلانية العلمية في القضايا السياسية؟ والأهم من ذلك، هل سيكون جو بايدن قادراً على إجراء تعديلات مهمة ومفصلية في السياسة الخارجية لبلاده؟!.
المصدر Global Times