الثورة أون لاين – ريم صالح:
إذا ما أردنا أن نصف الديمقراطية الأمريكية وبإيجاز، فما هي العبارات والجمل المناسبة؟!، هل هناك ديمقراطية أمريكية فعلاً يعيشها ويمارسها المواطن الأمريكي قبل أن يصدرها نظام بلاده المارق إلى الأسواق الخارجية؟!، وعلى ماذا تدل أحداث الكابيتول؟!، ثم ألم تفقد الولايات المتحدة احترام الدول الأخرى لما بقي من سمعتها وهيبتها بعد هذه الأحداث؟!.
لا ديمقراطية حقيقية في أمريكا، لا في نظامها السياسي، ولا في عملياتها الانتخابية، ولا حتى في تعاملاتها مع الشرائح والأوساط الاجتماعية الأمريكية، ولا في تعاطيها مع ملفات الدول السيادية، ما نقوله ليس مجرد كلام وإنما هو نتاج دراسات أجرتها مراكز بحثية، وهو خلاصة متابعات لمحللين وسياسيين أمريكيين وغربيين أيضاً.
الديمقراطية تعني حكم الشعب نفسه بنفسه، فهل الشعب الأمريكي يحكم نفسه بنفسه فعلاً؟!، لو كان هناك ديمقراطية حقيقية في أمريكا لوجدنا عدة أحزاب سياسية تتنافس فيما بينها للوصول إلى مقاليد الحكم، ولكن الحال في الولايات المتحدة مختلف تماماً، فهناك فقط حزبان متنافسان هوليودياً، مختلفان بالتسمية فقط، ويقدمان نفسيهما كخصمين من فوق الطاولة، فيما هما متطابقان من حيث السياسات، والأجندات، والأطماع، واللجوء إلى الأساليب القذرة والدونية، وهما الحزب الديمقراطي والحزب الجمهوري، فهل يعقل أنه لا يوجد سوى هذين الحزبين في الولايات المتحدة؟!، وعلى أي أساس يقومان بتنصيب نفسيهما أوصياء على الشعب الأمريكي، ومن ثم على القرار العالمي؟!، ولماذا يقومان بمصادرة رأي الأمريكيين، وقمعهم، والتحكم والتفرد بهم بديكتاتورية منقطعة النظير؟!، وهل من المعقول أنه في دولة يبلغ تعداد سكانها نحو 328.2مليون نسمة، بحسب إحصائيات عام 2019، وتضمُّ خمسِين وِلاية، ومِنطقة العاصِمة الاتّحادية، ورغم ذلك لا يتنافس فيها انتخابياً إلا حزبان؟!.
الديمقراطية الأمريكية إذاَ هي مجرد طروحات كاذبة، لا محل لها من الإعراب، ولا تعدو عن كونها مجرد سيف يسلطه نظام الإرهاب الأمريكي، ويشهره في وجه الدول السيادية، ليكون شماعته المهترئة الذي يبرر لنفسه من خلالها تدخله غير الشرعي في شؤون الشعوب الحرة.
الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب دعا أنصاره إلى النزول إلى الشارع لوقف عملية مصادقة الكونغرس على فوز الرئيس الحالي جو بايدن، فأين الديمقراطية في سلوكه هذا؟!، أين الديمقراطية في لغة التحريض والشحن وامتهان شرعية العملية الانتخابية؟!.
لطالما صدعت إدارة العنصرية والفاشية الأمريكية رؤوسنا بادعاءاتها حول الديمقراطية، وبأنها الأنموذج الذي لا مثيل له في الكون بأسره، وبأنها الأنموذج الذي يجب أن يحتذى في مجال احترام حقوق الإنسان، وإرادة الأغلبية، وشرعية الانتخابات، ولكن اقتحام الآلاف من مؤيدي ترامب يوم الأربعاء 6 كانون الثاني مقر الكابيتول، واحتلاله، وإفساده، وتخريب ممتلكاته، قلب الطاولة بما عليها، وكشف المستور، وحسم المشهد، ووضع النقاط على الحروف.
الجدير ذكره هنا أنه في كانون الثاني 2017، خفّض مؤشر الديمقراطية التابع لوحدة المعلومات الاقتصادية (إي أي يو) من مستوى الديمقراطية في الولايات المتحدة من الديمقراطية الكاملة إلى الديمقراطية المعيبة، الوحدة الاقتصادية لم تتصرف هكذا من فراغ وإنما استندت في نتائجها هذه على عدة مؤشرات أهمها الاستقطاب السياسي والثقافي المتطرف في أمريكا، وعنف الشرطة، فضلاً عن إساءة معاملة المهاجرين غير الشرعيين، بمن فيهم الأطفال، وصولاً إلى تهميش الأقليات في البلاد في مجال السياسة وما إلى ذلك.
مديرة منتدى آينشتاين في بوتسدام الفيلسوفة الأمريكية سوزان نايمان أكدت هي الأخرى أن الديمقراطية الأمريكية في خطر حيث أن 75 في المائة من الأمريكيين يقولون إن العنصرية المنهجية وازدراء الزنوج وإقصاءهم وتعنيفهم وقتلهم بدم بارد مشكلة كبيرة، مضيفة أن النظام الانتخابي الأمريكي غير ديمقراطي، ولابد من إجراء الكثير من التعديلات.
الخبير السياسي الأمريكي دانييل زيبلات مؤلف كتاب “كيف تموت الديمقراطيات” أوضح بدوره أن ثقافة الحوار في الولايات المتحدة تعاني من انهيار طويل للاعتراف المتبادل.
ووفقاً لدراسة أجراها مركز بيو للأبحاث في شباط 2020، فإن عدم المساواة في الدخل في الولايات المتحدة هو الأعلى بين جميع دول مجموعة السبع، وهو مصدر قلق كبير لـ 78 في المائة من الديمقراطيين و41 في المائة من الجمهوريين.
كما أنه وفقا لمكتب التحقيقات الفيدرالي إف بي آي فإن ثلثي الإرهاب المحلي في الولايات المتحدة تقوم به الجماعات المسلحة اليمينية، حيث أن هناك حوالي 180 مجموعة شبه عسكرية نشطة في أمريكا وبناء عليه أصبح الحديث عن حرب أهلية أمريكية وشيكة، نقاشاً يومياً في وسائل الإعلام الأمريكية الرئيسية.
الأمر الذي يؤكد لنا من جديد بأنه لا ديمقراطية، ولا عدالة، ولا مساواة بين الأمريكيين أنفسهم، وبأن الديمقراطية ما هي إلا بدعة اخترعها عراب الإرهاب الأمريكي لتمرير أجنداته الاستعمارية، ولتحقيق مآربه العدوانية لا أكثر ولا أقل.